الفاضلة المجاهدة الأنصارية الخزرجية المازنية المدنية..
كانت متزوجة من زيد بن عاصم المازني النجاري فولدت له عبدالله وحبيبآ وصحبا النبي الكريم ، ثم خلف عليها غزية بن عمرو المازني النجاري فولدت له خولة ، وكان لها ولأسرتها شأن كبير في الإسلام .
في بيعة العقبة الثانية جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وسبعون رجلآ وامرأتان من أجل أن يبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد كانت أم عمارة_رضي الله عنها_ إحداهن.
وعادت إلى المدينة تحمل أمانة الدين العظيم فما أن وصلتها حتى بدأت تنشر الإسلام بين نساء المدينة.
وقد نالت بشارتها بالجنة مع أسرتها يوم أحد ، فقد خرجت هذه الأسرة: أم عمارة وابنيها عبدالله وحبيب وزوجها واندفعوا يجاهدون في سبيل الله بينما ذهبت أم عمارة تسقي العطشى وتضمد الجرحى ولكن ظروف المعركة جعلتها تقبل على محاربة المشركين وتقف وقفة الأبطال تدافع عن رسول الله غير هيابة ولا وجلة وذلك عندما خالف الرماة أمر رسولهم فكـرّ عليهم جيش المشركين وتفرق الناس من هول ماأصابهم أخذت هي سيفآ وترسآ ووقفت بجانب رسول الله تقيه بنفسها.
ولنتركها لتحدثنا عن هذا الموقف:
عن عمارة بن غزية قال: قالت أم عمارة: رأيتني وانكشف الناس عن رسول الله فما بقي إلا في نفير مايتموا عشرة وأنا وأبنائي وزوجي بين يديه نذب عنه والناس يمرون به منهزمين ورآني ولا ترس معي فرأى رجلآ موليآ معه ترس فقال: " ألق ترسك إلى من يقاتل " فألقاه فأخذته فجعلت أترس به عن رسول الله. وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل لوكانوا رجالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله .
فيقبل رجل على فرس فيضربني وترست له فلم يصنع شيئا و ولي فأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره فجعل النبي يصيح:" يا ابن أم عمارة أمك أمك "! قالت: فعاونني عليه حتى أوردته شَعوب.
وعن عبدالله بن زيد قال: جرحت يومئذ جرحا وجعل الدم لايرقا فقال النبي:" اعصب جرحك " فتقبل أمي إلي ومعها عصائب في حقوها فربطت جرحي والنبي واقف ، فقال:" انهض بني فضارب القوم" وجعل يقول:" من يطيق ماتطيقين ياأم عمارة"
فأقبل الذي ضرب ابني فقال رسول الله :"هذا ضارب ابنك" قالت: فاعترض له فأضرب ساقه فبرك. فرأيت رسول الله يبتسم وقال:"استقدت ياأم عمارة" ثم أقبلنا نعلّه بالسلاح حتى أتينا على نفسه فقال النبي:"الحمدلله الذي ظفرك".
وجُرحت ثلاثة عشر جرحا وكان أعظم جراحها حينما ضربها ابن قمئة على عاتقها فداوته سنة.
وعن الحارث بن عبدالله: سمعت عبدالله بن زيد بن عاصم يقول: شهدت أحدآ فلما تفرقوا عن رسول الله دنوت منه أنا وأمي نذب عنه فقال رسول الله:"ابن أم عمارة؟" قلت: نعم ، قال:"ارم" فرميت بين يديه رجلآ بحجر _وهو على فرس_ فأصبت عين الفرس ، فاضطرب الفرس فوقع هو وصاحبه وجعلت أعلوه بالحجارة والنبي يبتسم ، ونظر إلى جرح أمي على عاتقها فقال:"أمك أمك اعصب جرحها ، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة".
قلت: ماأبالي ماأصابني من الدنيا.
وعادت من غزوة أحد تحمل آلام الجراح التي أصيبت بها..وماهي إلا ليلة واحدة قضاها المجاهدون في ديارهم يداوون جرحاهم ، وفي الصباح نادى منادي رسول الله: إلى حمراء الأسد فقامت أم عمارة فشدت عليها ثيابها لكنها مااستطاعت أن تخرج معهم لكثرة الدماء التي تنزف من جسدها الطاهر.
ولما خرج رسول الله لغزو بني قريظة كانت أم عمارة في هذه الغزوة ليعلم الكون كله أن الجراح التي أصابتها في غزوة أحد لم تضعف عزيمتها . .
ولما كان عام الحديبية خرجت رضي الله عنها مع رسول الله ، فلما أرسل الحبيب صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان سفيرآ إلى قريش ليبين لهم أنهم جاءوا للعمرة ، أحتبست قريش عثمان_رضي الله عنه_ وأشيع بين المسلمين أنه قتل ، دعا رسول الله أصحابه إلى بيعة الرضوان فبايعوه على الموت وكانت أم عمارة ممن بايع المصطفى لتنال الرضوان في بيعة الرضوان ، قال تعالى عن الذين حضروا البيعة:" لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ".
ولما حلق النبي صلى الله عليه وسلم شعره تسابق الصحابة عليه وفازت أم عمارة_رضي الله عنها_ ببعض تلك الشعرات واحتفظت بها إلى آخر لحظة في حياتها.
وتتوالى مشاهد أم عمارة ويتوالى تألقها في كل مشهد تشهده مع رسول الله ، وهاهو العام السابع من الهجرة يطل على المسلمين وهم في المدينة وفي شهر شهر محرم انطلق المسلمون لدكّ حصون خيبر وكان قد خرج مع رسول الله أصحاب الشجرة من ضمنهم أم عمارة ، وعلى أرض خيبر شاهدت أم عمارة فروسية المسلمين وفرسان رسول الله وكيف الله أعز نبيه وأهلك أعداءه ثم عادت مع الجيش المنتصر الى المدينة لتشهد عمرة القضاء وتدخل المسجد الحرام مع المؤمنين الموحدين.
ولما سار جيش رسول الله إلى حنين كانت أم عمارة تواصل معه مسيرة البذل والعطاء، وعندما تفرق هذا الجيش لمباغتة جيش العدو لهم ، وانتشرت موجة الفزع وانكسرت الصفوف المرصوصة ، وانحاز رسول الله ذات اليمين وقد أغضبه هذا الفرار فقال:" أيها الناس هلموا إلي ، أنا رسول الله أنا محمد بن عبدالله"
وأمر رسول الله عمه العباس وكان جهير الصوت أن ينادي الصحابة.
قال العباس: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا: يالبيك يالبيك.
لقد هداه الحق أن يهتف بأصحاب العقائد ورجال الفداء .
ولقد كانت أم عمارة قد ثبتت مع من ثبت في هذا الموقف واستطاعت أن تقتل واحدآ من فرسان المشركين لتختم رحلة جهادها مع رسول الله.
لقد ضربت لنا أم عمارة_رضي الله عنها وأرضاها_ فنون الجهاد والصبر على قضاء الله ، وهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث حبيب بن زيد_ابنها_ إلى مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة في بني حنيفة فغدر به مسيلمة وقتله مع أن الرسل لاتقتل.
وقد رثاه مالك بن عمرو الثقفي بأبيات رائعة منها:
مضى صاحبي وخُلّفتُ بعـدهفكيف بأعضائي البقية أصنع
وقال له الكذاب تشهد أننـيرسول فأومأ أنني لست أسمع
فقال أتشهـد أنهـا لمحمـدفنادى بدعوى الحق لا يتتعتع
فضرب أم الرأس فيه بسيفهغوي لحاه الله بالفتك مولـع
وانتشر خبر استشهاد حبيب _رضي الله عنه_ ولما بلغ أم عمارة قتل ابنها عاهدت الله أن تموت دون مسيلمة أو تقتل ، ورضيت بقضاء الله وصبرت صبرآ جميلآ..
وبعد وفاة رسول الله ارتدت بعض قبائل العرب فقام أبو بكر_رضي الله عنه_ يرسل الجيوش ليحارب المرتدين ، وسارعت أم عمارة إلى أبي بكر الصديق تستأذنه في الخروج مع الجيش إلى معركة اليمامة لتثأر لابنها حبيب من مسيلمة الكذاب .
وانطلقت أم عمارة تشق الصفوف لتقاتل أعداء الله -وكان عمرها قد زاد عن الستين- وظلت تضرب بسيفها في جيش المرتدين إلى أن أثلج الله صدرها بموت مسيلمة فقد رأته مقتولآ فسجدت شكرآ لله تعالى ونسيت كل الجراح التي لحقت جسدها يوم اليمامة وكانت أحد عشر جرحآ وقطعت يدها.
وعادت إلى المدينة بعد أن سطرت للتاريخ جهادآ تفردت به ، وكان أبو بكر يأتيها ويسأل عنها ويطمئن عليها ، فلقد احتلت في نفوس صحابة رسول الله مكانة عالية.
وبعد رحلة مباركة من البذل والعطاء نامت أم عمارة على فراش الموت .
فرضي الله عنها وأرضاها وجعل جنة الفردوس مأواها
اللهم أرحم ألمومنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات
اللهم أغفر ذنوبنا وأستر عيوبنا وأهدنا الى ماتحبه وترضاه
اللهم أرحم والدى وأشفى ولدتى وهدنا الى صراطك المستقيم