الجزء الرابع
السيدة خديجة
حكمتها ورجاحتها وعقلها
- وليس شئ أدل على حكمتها وكياستها ورجاحة عقلها من أنها اختارت النبى صلى الله عليه وسلم زوجا رغم كونه اذ ذاك فقيرا وهى غنية ثرية يتطلع أثرياء قومها وأشرافهم فتأبى، وما ذاك الا أنها قد عرفت بحكمتها وحصانة عقلها أن كمال الجولة، وشرف المروءة، وسلامة الطبع أمر وراء الغنى المادى، والعرض الزائل.انها تبحث عن نوع اخر من الغنى والثراء !
-انه غنى النفوس، وثراء الضمير، ودماثة الخلق ! وأين تجد ذلك كله على الوجة الاكمل فى غير محمد صلى الله عليه وسلم، واذا كان بعض الكتاب يذهب الى أن الذى دفعها الى الاقتران بالنبى صلى الله عليه وسلم هو ما ذكر لها من حسن تعاطيه للتجارة بيعا وشراءا، وما اتصف به فى تجارته من صدق وأمانة وغير ذلك.- فانا نقول: ان هذا وان كان من الاسباب التى يرغب لمثلها فى الرجال – لا سيما من كانت ذات مال كخديجة – رضى الله عنها – تحتاج من يتجر لها فى مالها.- غير أنا نقول: لعل ذلك كان من الاسباب الظاهرة التى تبرر خديجة بها زواجها من محمد صلى الله عليه وسلم وهو أحداث منها سنا، اذ كان يضعرها بخمس عشرة سنة فهو فى الخامسة والعشرين من عمره، وهى فى الأربعين.- فضلا عن قله ماله، وعدم رياسته ومكانته، غير أنها وجدت فى صدقه وأمانته وحسن تجارته وعراقة نسبه صلى الله عليه وسلم ما تبرر زواجها به أمام قومها.- غير أننا بحثنا عن السبب الحقيقى فى زواج هذه المرأة بمحمد صلى الله عليه وسلم وهى فى سن الأربعين اى فى أكتمال عقلها ورشدها فليست بالفتاة الطائشة، ولا العجوزالخرفة .. والسبب الحقيقى هو بحثها عن الرجولة الكاملة ... الرجولة بكل معانيها من خلق ومروءة وفترة وايثار وكرم خصال.- وم كان محمد صلى الله عليه وسلم ليقبل زواج خديجة ولو كانت تملك مال الأرض كله، ولو كانت أبهى نشاء الدنيا جمالا، لولا ما راه محمد صلى الله عليه وسلم فيها من رجاحة العقل وكياسته وما شهد به قومها لها من شريف الخصال، وحميد الفعال، وعنة المئزر، وسلامة الجوهر، وعراقة المنبت.فلهذا كله وافقت رغبة خديجة رغبة محمد صلى الله عليه وسلم فى الاقتران بها.- وصدق ظن محمد صلى الله عليه وسلم فى خديجة فكانت نعم الزوجة ونعم السند فلقد الت بها رجاحة عقلها وفطنتها الى الايمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم واتباعه فى كل أفعال الايمان، وأمور الطاعة، عاد صلى الله عليه وسلم ذات يوم الى بيت خديجة – رضى الله عنهاوقد علمه جبريل – عليه السلام – كيف يصلى، فأخبرها بذلك، فقالت: أرنى كيف أرك! أى علمنى كيف علمك جبريل الصلاة.- فأراها وعلمها، فتوضأت كما توظأ ثم صلت معه وقالت: أشهد أنك رسول الله.