صاحبة القلب الرحيم
فى جلسة غمرتها أنوار ربانية كان محمد صلى الله عليه وسلم يتحدث مع خديجة، فكان صوته الصحل يمس أوتار فؤادها وتلك الحكمة المتدفقة من بين شفتيه تغمر روحها بسعادة عارمة مجنحة تسمو بها فوق وجودها الملموس، وتعيش فى أفق نورانى.
فى تلك اللحظات جاءت مولاة خديجة وقالت:
مولاتى: ان حليمة بنت عبد الله بن الحارث السعدية تود الدخول.ط
ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليمة السعدية، خفق قلبه الشريف حنانا، وراحت الذكريات الحبيبة والحانية الدافئة تطفو على سطح ذهنه، ذكريات حبيبة الى نفسه، تذكر بيداء بنى سعد ورضاعته هنالك، كانت لحظة مفعمة بالمشاعر الناعمة، لحظة أحيت – فى مثل لمح البصر أو أسرع – أيام طفولته، وأيام نشأته بين ذراعى حليمة، وفى أحضانها.
قامت خديجة – رضى الله عنها – لتدخل حليمة، فطالما حدثها عنها حديثا يقطر حبا ورحمة ودفئا وكرامة، وعندما وقع بصره الشريف عليها، مس سمع خديجة صوته اللطيف وهو ينادى فى لهفة وحنان "أمى، أمى".
نظرت خديجة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فألفته قد فرش لها رداءه، ومرر يده عليها فى حنان دافق، وقد ترقرقت فى وجهه سعادة عارمة، وتألق فى عينيه فرح فياض، لكأنها كان يحتوى فى أحضانه أمه امنة بنت وهب وقد بعثت من مرقدها.
وفى غمرة اللقاء الحار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وحليمة، سألها عن حالها، فراحت تشكو اليه قسوة الحياة والجدب الذى نزل ببادية بنى سعد، ثم شكت ضيق العيش، ومرارة الفقر، فأفاض عليها من كرمه.
وبعد ذلك حدث النبى صلى الله عليه وسلم زوجة خخديجة – فى تأثر واضح – بما ألم فى مرضعته حليمة من ضيق، وما حاق بها وبقومها من كرب، فتدفقت كنوز فؤاد خديجة بالعطف والرحمة، وأعطتها عن طيب خاطر أربعين رأسا من الغنم، كما وهبتها بعيرا يحمل الماء، وزودتها بما تحتاجه فى رجوعها الى باديتها، وكانت خديجة –متأهبة على الدوام لتجود بكل أموالها، ارضاء لزوجها محمد صلى الله عليه وسلم فشكر لها أريحيتها، ثم أنطلق ليضيع بين يدى مرضعته ما جادت به خديجة.