الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلا شك أن وراء كل محنة منحة، ووراء كل بلاء نعمة؛ فإن الله -تعالى- لا يقدِّر شرًا محضًا أبدًا، فما نراه من البلاء هو شر من وجه وخير من وجه آخر، وليعلم الله الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، فيحاسب كلاً بعمله. وكل أمر المؤمن خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له.
وما نراه ونسمعه من أحداث تمر بنا لا ينبغي أن نغفل عن حكمة الله في تقديرها، فما يحدث في غزة الجريحة هو جزء مما قدره الله -تعالى- لعباده، فليتدبر أولو الألباب، وليعتبر أولو الأبصار، وليوصلوا كلمتهم إلى العالم كله: أن هذا من البلاء الذي هو خير لنا، وأنه من سنة الله -تعالى- لمن أحب. وليهب رجال الإسلام لنصرة إخوانهم المستضعفين في الأرض بكل ما يستطيعون.
يا رجال الإسلام...
هلموا لنصرة إخوانكم، جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم، كما أمركم نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، فمن استطاع منكم أن يجاهدهم بيديه فليفعل، فمن لم يستطع فبماله، فمن لم يستطع فبكلمة صادقة أو دعوة صالحة، ولا عذر لمن تخلف.
يا رجال الإسلام...
«مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» [متفق عليه].
علموا أولادكم ونساءكم وأصحابكم وجيرانكم أن هذه الأمة يجمع بينها رابطة الإسلام، لا روابط العروبة الكاذبة، ولا القومية الخادعة، بل رابطة الإسلام وحدها، فما يحدث في غزة المكلومة أو في غيرها من بلاد الإسلام هو من جراح الجسد الواحد الذي يتوجع رأسه من توجع أطرافه.
إذا اشـتـكى مسـلم في الهند أرّقني*** وإن بــكى مـسـلم في الصين أبـكاني
أرى بـخـارى بـلادي وهـي نـائـية*** وأســتــريــح إلى ذكــرى خــراســان
ومصر ريحانتي والشام نرجستي*** وفـي الجـزيـرة تاريخـي وعـنـوانـي
وحـيثـما ذكـر اسـم الله فـي بـلــد*** عددت ذاك الحمى من صلب أوطانييا رجال الإسلام...
أعلِموا العالم كله أن هذه الأمة لن تموت؛ وإن حاولوا تشتيت شملها وتمزيق وحدتها وإضعاف كلمتها، بل ستبقى أمة الإسلام فوق كل الأمم، وستعلو رايتها فوق كل الرايات، وسترث هذه الأرض حين يأذن الله لها، ولو كره الكافرون وأذنابهم، والمنافقون وأتباعهم.
وقد قال نبيكم -صلى الله عليه وسلم-:
«إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِى سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِي مِنْهَا» [رواه مسلم]، فأبشروا ببشرى نبيكم -صلى الله عليه وسلم-.
يا رجال الإسلام...
أعلِموا العالم كله أن هذه الأمة لا زال فيها رجال يصنعون البطولات، ويتحملون الأزمات، لا تضعفهم الفتن، ولا تضيرهم البلايا والمحن، بل لا تزيدهم قوة البلاء إلا شدة وصلابة، ولا هول الفواجع إلا توكلاً على الله وإنابة.
يا رجال الإسلام...
اعلموا أنكم بإيمانكم تنتصرون، وبتوكلكم على الله تغلبون، فلا تسمعوا لمن أراد بكم الخنوع والذلة؛ فنحن لا ننتصر بكثرة عتاد ولا عدة، بل بإيمان وثيق، ويقين صادق، ورابطة قوية؛ وقد قال نبيكم -صلى الله عليه وسلم-:
«إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا؛ بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ» [رواه النسائي، وصححه الألباني، وأصله عند البخاري].
يا رجال الإسلام...
لا تعجزوا عن الدعاء؛ فهو سلاح الأنبياء، وركن الضعفاء، فأووا إلى ركن شديد، والجئوا إلى من نصر المؤمنين في بدر بلا عدة ولا عدد، وأمدهم بملائكته إذ طلبوا منه المدد:
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [سورة الأنفال: 9].
يا رجال الإسلام...
لا تكفوا عن الكلام؛ وإن جفت منكم الحلوق وتعبت الجفون، فلا تزال ألسنتكم تنطق، ولا تزال قلوبكم تنبض.
أعلِنوا أنكم لا تفصل بينكم وبين إخوانكم الحدود، بل فرحهم فرحكم، وهزيمتهم هزيمتكم، وقضيتهم قضيتكم.
أعلِنوا أن من خذلهم وفرح بهزيمتهم وأعان عدوهم عليهم فقد مرق من الدين، وخرج من جملة المسلمين.
أعلِنوا عداوة اليهود على المنابر وفي الطرقات، وفي المدارس والجامعات، وقولوا لهم:
{إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْده} [سورة الممتحنة: 4].
ويا رجال غزة وأهلها:
إن ما يقع عليكم من البلاء هو من تقدير الله -عز وجل-، لينظر الصادق من الكاذب، وليعلم المؤمن من المنافق؛
{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ} [سورة آل عمران: 166-167]، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، واثبتوا على ما ثبت عليه السابقون من قبلكم، فإنكم إن لم تقتلوا ستموتون، فموتوا على ما مات عليه نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، حتى وإن تخلى عنكم القريب والبعيد، فالموت بعز الكرامة أولى من الموت بِذُلِّ الخيانة.
يا رجال غزة وأهلها...
إن البلاء أول طريق التمكين، وحسبكم أنكم على درب الأنبياء والصالحين، فلقد أوذي قبلكم من هو خير منكم فصبروا، ولقد ابتلي من هو أفضل منكم
{فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا} [سورة آل عمران: 146]، بل ما كان قولهم إلا أن قالوا:
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [سورة آل عمران: 147].
يا رجال غزة وأهلها...
قد قال رسولكم -صلى الله عليه وسلم-:
«لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» [متفق عليه]، ونحن نظن أنكم أهل لأن تدخلوا في هذه البشرى النبوية، فاصدقوا عهدكم مع الله، واعلموا أنكم لن تنتصروا بكثرة عدد، بل بإيمان راسخ وعقيدة صافية، فبهما قيامكم بأمر الله -تعالى-.
يا رجال غزة وأهلها...
كم كنا نتمنى أن نكون معكم جنبًا إلى جنب، ندفع عنكم، ونذب عن أعراضكم، ولكن نشكو إلى الله ضعف قوتنا وقلة حيلتنا. وإنا لنفرح لنصركم، ونتألم لجراحكم.
واعلموا أننا لن ننساكم ولن نترك قضيتكم، بل سننصركم بما نستطيع، بأموالنا وألسنتنا ما دام فينا قلب ينبض، فحسبنا أن تعذرونا إذ ضعفنا عن نصركم بأيدينا.
اللهم انصر إخواننا المستضعفين في غزة، اللهم أمدهم بمدد من عندك، اللهم وارفع البلاء عنهم، اللهم تقبل قتلاهم في الشهداء، اللهم أحسن عزاء أهليهم فيهم.
اللهم فاغفر لنا تقصيرنا وعجزنا تجاههم.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان.
اللهم من خذلهم فاخذله، ومن أسلمهم فأسلمه إلى نفسه، ومن عاداهم فعادِهِ.
اللهم من تـَتـَبَّعَ عوراتهم فافضحه على رؤوس الخلائق أجمعين.
اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك.
اللهم مجريَ السحاب منـزلَ الكتاب هازمَ الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم يا رب العالمين.
مـــ ماجده ـلآك الروح