تشكو توراة (1) بني إسرائيل عبر أسفارها المتعدّدة من: نجاسة اليهود، وتلطّخ أيديهم بالدماء المعصومة، وتمرّدهم على أوامر الرب، وإعراضهم عن شريعته، ومن ذلك ما جاء في سفر إشعياء من أنّ اليهود (2): "شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ، أَوْلاَدٌ كَذَبَةٌ، أَوْلاَدٌ لَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْمَعُوا شَرِيعَةَ الرَّبِّ" [30/9]، وجاء في سفر حزقيال: "لأَنَّ كُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ صِلاَبُ الْجِبَاهِ وَقُسَاةُ الْقُلُوبِ" [3/7]، وجاء في سفر إرميا أنّ اليهود حكماء ولكن في عمل الشر، حيث قال السيد الرب: "لأَنَّ شَعْبِي أَحْمَقُ. إِيَّايَ لَمْ يَعْرِفُوا. هُمْ بَنُونَ جَاهِلُونَ وَهُمْ غَيْرُ فَاهِمِينَ. هُمْ حُكَمَاءُ فِي عَمَلِ الشَّرِّ وَلِعَمَلِ الصَّالِحِ مَا يَفْهَمُونَ" [4/22].
ومن أعمال الشرّ التي أنكرتها التوراة على اليهود:
1- سفك الدماء البريئة المعصومة:
جاء في سفر حزقيال تسمية مدينة أورشليم [القدس] التي يعتبرها اليهود مركز دولتهم: "مدينة الدماء"، حيث جاء فيه: "1وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ: 2وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ, هَلْ تَدِينُ؟ هَلْ تَدِينُ مَدِينَةَ الدِّمَاءِ؟ فَعَرِّفْهَا كُلَّ رَجَاسَاتِهَا 3وَقُلْ: هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: أَيَّتُهَا الْمَدِينَةُ السَّافِكَةُ الدَّمِ فِي وَسَطِهَا لِيَأْتِيَ وَقْتُهَا... 4قَدْ أَثِمْتِ بِدَمِكِ الَّذِي سَفَكْتِ" [22/1-4].
وقد وصف نفس السفر تنافس رؤساء إسرائيل في سفك الدماء! فجاء فيه: "هُوَذَا رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ اسْتِطَاعَتِهِ, كَانُوا فِيكِ لأَجْلِ سَفْكِ الدَّمِ" [22/6]، وهكذا بعد أن كانت القدس مدينة الأمن والعدل!! صارت مأوى القتلة والمجرمين!!، كما جاء التصريح بذلك في سفر إشعياء: "كَيْفَ صَارَتِ الْقَرْيَةُ الأَمِينَةُ زَانِيَةً! مَلآنَةً حَقّاً. كَانَ الْعَدْلُ يَبِيتُ فِيهَا. وَأَمَّا الآنَ فَالْقَاتِلُونَ" [1/21].
2- ظلم الضعفاء، واضطهاد الأيتام والأرامل:
جاء في سفر حزقيال أنّ اليهود أهانوا في فلسطين الآباء والأمهات! واضطهدوا اليتيم والأرملة! حيث قال السيد الرب: "فِيكِ أَهَانُوا أَباً وَأُمّاً. فِي وَسَطِكِ عَامَلُوا الْغَرِيبَ بِالظُّلْمِ. فِيكِ اضْطَهَدُوا الْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ" [1/7]، وجاء فيه أيضاً: "شَعْبُ الأَرْض (3) ظَلَمُوا ظُلْماً وَغَصَبُوا غَصْباً, وَاضْطَهَدُوا الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ, وَظَلَمُوا الْغَرِيبَ بِغَيْرِ الْحَقِّ" [22/29].
ومن أجل ذلك تعدّدت النصوص اليهودية التي تصف اليهود بالنجاسة (4)، ومن هذه النصوص: ما جاء في سفر حزقيال: "وَقُلْ: هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: [عن أورشليم مدينة الدماء]... يَا نَجِسَةَ الاِسْمِ يَا كَثِيرَةَ الشَّغَبِ" [22/3، 5]، وجاء في سفر إرميا أنّ اليهود نجّسوا أرض فلسطين: "فَأَتَيْتُمْ وَنَجَّسْتُمْ أَرْضِي وَجَعَلْتُمْ مِيرَاثِي رِجْساً" [2/7]، ويظهر من نفس السفر أنّ نجاسة اليهود، ملازمةٌ لهم، لا يتطهرون منها، مهما تنظّفوا، حيث جاء فيه: "22فَإِنَّكِ وَإِنِ اغْتَسَلْتِ بِنَطْرُون (5) وَأَكْثَرْتِ لِنَفْسِكِ الأَشْنَان (6) فَقَدْ نُقِشَ إِثْمُكِ أَمَامِي يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ 23كَيْفَ تَقُولِينَ: لَمْ أَتَنَجَّسْ" [2/22، 23].
فإذا كانت نجاسة اليهود قد استعصت على أنواع المنظّفات المختلفة، فما السبيل إلى إزالتها إذن؟!
والجواب أنّ أسفار اليهود المقدّسة قد تولّت بيان السبيل إلى إزالة هذه النجاسة المتأصّلة في الشعب اليهودي، وقد جاء في سفر حزقيال، أنّ السيد الرب قال: "13فِي نَجَاسَتِكِ رَذِيلَةٌ لأَنِّي طَهَّرْتُكِ فَلَمْ تَطْهُرِي وَلَنْ تَطْهُرِي بَعْدُ مِنْ نَجَاسَتِكِ حَتَّى أُحِلَّ غَضَبِي عَلَيْكِ. 14أَنَا الرَّبَّ تَكَلَّمْتُ. يَأْتِي فَأَفْعَلُهُ. لاَ أُطْلِقُ وَلاَ أُشْفِقُ وَلاَ أَنْدَمُ. حَسَبَ طُرُقِكِ وَحَسَبَ أَعْمَالِكِ يَحْكُمُونَ عَلَيْكِ" [22/14، 15].
وطالما أنّ زوال نجاسة اليهود لن يكون إلاّ بأن يحلّ عليهم غضب الرب، عن طريق من سيحكمون عليهم حسب أعمالهم! فلا بأس بالإشارة إلى أنّ بعض اليهود يعتقدون: بأنّ بني إسرائيل سيجتمعون بفلسطين في آخر الزمان، ويقيمون لهم دولة فيها، مما يكون سبباً في محاصرة الأمم لهم، وهجومها عليهم، وقضائها على دولتهم، وضربها الذّلة والصغار على من بقي حيّاً منهم. (7)
وقد جاء في سفر حزقيال الإشارة إلى اجتماعهم في أرض فلسطين: "مِنْ حَيْثُ إِنَّكُمْ كُلُّكُمْ صِرْتُمْ زَغَلاً، (
فَلِذَلِكَ هَئَنَذَا أَجْمَعُكُمْ فِي وَسَطِ أُورُشَلِيمَ 20جَمْعَ فِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَقَصْدِيرٍ إِلَى وَسَطِ كُور (9) لِنَفْخِ النَّارِ عَلَيْهَا لِسَبْكِهَا, كَذَلِكَ أَجْمَعُكُمْ بِغَضَبِي وَسَخَطِي وَأَطْرَحُكُمْ وَأَسْبِكُكُمْ. 21فَأَجْمَعُكُمْ وَأَنْفُخُ عَلَيْكُمْ فِي نَارِ غَضَبِي, فَتُسْبَكُونَ فِي وَسَطِهَا. 22كَمَا تُسْبَكُ الْفِضَّةُ فِي وَسَطِ الْكُورِ كَذَلِكَ تُسْبَكُونَ فِي وَسَطِهَا, فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ سَكَبْتُ سَخَطِي عَلَيْكُمْ" [22/20-22].
وجاء في سفر إرميا وصفُ شيءٍ من الهجوم الذي سيكون على اليهود: "4قَدِّسُوا (10) عَلَيْهَا حَرْباً. قُومُوا فَنَصْعَدَ في الظَّهِيرَةِ. وَيْلٌ لَنَا لأَنَّ النَّهَارَ مَالَ لأَنَّ ظِلاَلَ الْمَسَاءِ امْتَدَّتْ. 5قُومُوا فَنَصْعَدَ في اللَّيْلِ وَنَهْدِمَ قُصُورَهَا. 6لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: اقْطَعُوا أَشْجَاراً. أَقِيمُوا حَوْلَ أُورُشَلِيمَ مِتْرَسَة (11). هِيَ الْمَدِينَةُ الْمُعَاقَبَةُ. كُلُّهَا ظُلْمٌ فِي وَسَطِهَا. 7كَمَا تُنْبِعُ الْعَيْنُ مِيَاهَهَا هَكَذَا تُنْبِعُ هِيَ شَرَّهَا. ظُلْمٌ وَخَطْفٌ يُسْمَعُ فِيهَا. أَمَامِي دَائِماً مَرَضٌ وَضَرْبٌ"!! [6/4-7].
وجاء في سفر إشعياء الإشارة إلى أنّ الفلسطينيين والأراميين (12) سيكونون من الأمم التي تنقضُّ على اليهود في يوم حلول غضب الرب عليهم: "الأَرَامِيِّينَ مِنْ قُدَّامُ وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنْ وَرَاءُ فَيَأْكُلُونَ إِسْرَائِيلَ بِكُلِّ الْفَمِ. مَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْد! (12)" [9/12].
وبعد: فيا إخواننا وأهلنا في غزّة...يا أهل الرباط ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس، ها هي ذي التوراة اليهودية، تنتصرُ -رغم ما فيها من تحريفٍ وباطلٍ- للدماء الزكيّة، وللأيتام والأرامل، وها هي ذي شاهدةٌ بعدالة قضيّتكم، وشناعة جُرم أعدائكم، ووعدكم بالنصر والظفر، وتوعّدهم بالخزي والنكال والغضب، ونحن وإيّاكم وإن كُنّا لسنا بحاجةٍ إلى كتب أهل الكتاب، التي امتلأت بالتحريف والتبديل، لما أغنانا الله تعالى به من وحيه الخاتم المعصوم "كتاب الله تعالى، وسنّة رسوله محمّد صلى الله عليه وسلم "، إلاّ أنّ نقل بعض ما جاءت به كتبهم، يؤكّد شدّة غضب الله عليهم، مع ما فيه من قطعٍ لحجّة من قد يدّعي أنّنا نتحاملُ عليهم بغير وجه حقّ، فيُقالُ لهؤلاء المائلين إلى يهود: هل تجّنت التوراة على اليهود؟ وهل جاوز واقعهم الحالي، وما يفعلونه بإخواننا في فلسطين، ما جاءت به توراتهم المحرّفة؟!
يا أهل غزّة خاصّةً وفلسطين عامّةً:
بُشراكم أنّ الله اختاركم من بين أهل الأرض؛ ليسكنكم الأرض المقدّسة، التي بارك فيها للعالمين، وليؤدّب بكم أعداءه، وأعداء أنبيائه ورسله، السافكين لدماء الأنبياء والصِدّيقين (13)، فاصبروا واحتسبوا، وقوموا لله بما يقرّبكم منه، ويرفع درجاتكم عنده.
ولا تلتفتوا إلى خذلان الخاذلين، وتثبيط المنافقين، وقولوا كما قال الخليلان عليهما السلام "حسبنا الله ونعم الوكيل (14)"!!
اللهم تولّ أمرنا، وانصر أهلنا في الأرض المقدّسة، وأذلّ أعداءنا، واجعل الدائرة على من بغى علينا، وصلِّ وسلِّم على عبدك ونبيك محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الهوامش:(1) يُطلق لفظ "التوراة" في الأصل على أسفار موسى u الخمسة المطبوعة في أول العهد القديم، وأطلقه بعض الباحثين على جميع أسفار العهد القديم، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكلّ. انظر: المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، محمد علي البار: 111، 112.
(2) يُلاحظ أنّ النصوص الآتية منقولةٌ بتشكيلها، كما جاءت في كتابهم المقدّس، "طبعة دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط"، وبالتالي فأي خطأ قد يظهر في تشكيلها ونحوه، فمردُّه إليها!!
(3) هذا يدل على أنّ اليهود هم شعب الأرض، ولكن يظهر أنّ في الترجمة تحريفاً، وقد يكون الصواب "شعبَ" بفتح الباء، أي إن اليهود ظلموا شعبَ الأرض، ويؤكّده أنّ نفس النص ورد في ترجمة "كتاب الحياة" بلفظ: (أفرطوا [أي اليهود] في ظلم شعب الأرض)!!
(4) انظر: سفر إرميا: 1/8، 2/22، 26، 3/2، 8، 9، 6/5، وسفر حزقيال: 9/8، 9، 24/6-23، وسفر إشعياء: 6/5، وسفر عاموس: 7/17، وسفر هوشع: 6/10.
(5) النطرون: هو البورق، وهو ملح يذوب بسهولة في الماء الدافئ وبصعوبة في الماء البارد، ويُستخدم لتنظيف الأوساخ التي تستعصي على وسائل التنظيف الأخرى. انظر: المعجم الوسيط: "مادّتي: البورق، والحكاك"، وتفسير كلمات الكتاب المقدس: 324.
(6) الأشنان: شجر ينبت في الأرض الرملية يستعمل هو أو رماده في غسل الثياب والأيدي. انظر: المعجم الوسيط: "مادّة: الأشنان".
(7) انظر: الأمانات والاعتقادات، سعديا الفيومي "يهودي مصري توفي سنة 942م": 239-241.
( الزغل: هو الشوائب. انظر: تفسير كلمات الكتاب المقدس: 367.
(9) هو فرن تُحمى فيه المعادن. انظر: نفس المرجع: 367.
(10) أي أعدّوا أو خصّصوا لها حرباً. انظر: تفسير كلمات الكتاب المقدس: 326.
(11) أي حواجز. انظر: نفس المرجع: 326.
(12) هم شعبٌ من بدو الجزيرة العربية، كانت لهم دويلات في سوريا وشمال فلسطين. انظر: حضارات الشرق الأدنى القديم، محمد بيومي مهران: 132-140، ودائرة المعارف الكتابية: مادة "أرام - أراميون".
(13) يبدو من خلال هذا النص أنّ القضاء على اليهود المجتمعين في أرض فلسطين بأيدي الفلسطينيين وغيرهم، لن يكون نهاية العقوبات الربانية المسلّطة على شعب إسرائيل، بل إنّ يد الرب لا تزال ممدودة بعقوبة اليهود حتى يبيد مملكتهم من على وجه الأرض، لقوله كما في سفر هوشع: "وَأُبِيدُ مَمْلَكَةَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ" [1/4]، ولا يُستبعد أن يكون المراد بإبادة مملكة إسرائيل هو ما سيكون في آخر الزمان، عندما يكون لليهود ودجّالهم، سطوةٌ وجولةٌ، ومُلكٌ عالميٌٌّ قصير، يعقبه نزول عيسى u من السماء، ليتولّى بنفسه قتل المسيح الدجال، ويتولّى المسلمون قتل اليهود، وتُباد بذلك المملكة الدّجّالية اليهودية، والله تعالى أعلم.
(14) جاء في سفر نحميا إقرار بني إسرائيل بقتل آبائهم للأنبياء، فقالوا مخاطبين الرب: "وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ الَّذِينَ أَشْهَدُوا عَلَيْهِمْ لِيَرُدُّوهُمْ إِلَيْكَ وَعَمِلُوا إِهَانَةً عَظِيمَةً" [9/26]، وجاء في مراثي إرميا أن أيدي اليهود قد تلطخت بدماء الصديقين: "مِنْ أَجْلِ خَطَايَا أَنْبِيَائِهَا وَآثَامِ كَهَنَتِهَا السَّافِكِينَ فِي وَسَطِهَا دَمَ الصِّدِّيقِينَ" [4/13].
(15) كلمة عظيمة القدر، تعني أن لا يلتفت الإنسان إلى غير الله، ولا يتعلّق بسواه، فمن جعل الله وحده حسبه؛ كفاه ربّنا ونصره ووقاه.