غزوة ذات الرقاع - شعبان 4 هـ
بعدما كُسرت شوكة جناحين من الأحزاب : اليهود ، ومشركي مكة من قبل
المسلمين ، بقي جناح ثالث : وهم الأعراب القساة الضاربين في فيافي نجد ،
والذين ما زالوا يقومون بأعمال النهب والسلب بين وقت وآخر .
فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم تأديبهم ، وإخماد نار شرهم ، ولما
كانوا بدواً لا بلدة أو مدينة تجمعهم ، بات لا يجدي معهم سوى حملات
التأديب والتخويف ، فكانت غزوة ذات الرقاع .
وجرت أحداث هذه الغزوة في السنة السابعة من الهجرة ، بعد خيبر، كما رجحه ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد .
وبدأت حين سمع النبي صلى الله عليه وسلم باجتماع قبائل : أنمار أو
بني ثعلبة ، وبني محارب من غطفان ، فأسرع بالخروج إليهم بأربعمائة أو
سبعمائة من الصحابة ، واستعمل على المدينة أبا ذر ، وقيل عثمان بن عفان ،
وسار متوغلاً في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له نخل ، ولقي جمعاً من
غطفان ، فتوافقوا ولم يكن بينهم قتال ، إلا أنه صلى بالصحابة صلاة الخوف ،
فعن جابر قال : (خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نخل ،
فلقي جمعاً من غطفان ، فلم يكن قتال ، وأخاف الناس بعضهم بعضاً ، فصلى
النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الخوف )رواه البخاري .
وكان لكل ستة بعير يتعاقبون على ركوبه ، حتى تمزقت خفافهم ، ولفّوا على
أرجلهم الخرق ؛ ولذلك سميت الغزوة بذات الرقاع ، ففي الصحيحين عن أبي موسى
رضي الله عنه قال : (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ، ونحن
ستة نفر بيننا بعير نعتقبه ، فنقبت أقدامنا ، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري ،
وكنا نلف على أرجلنا الخرق ، فسُمِّيت غزوة ذات الرقاع ؛ لما كنا نعصب من
الخرق على أرجلنا) .
ومما صاحب هذه الغزوة قصة الأعرابي ، ففي البخاري ، عن جابر رضي الله
عنه قال : (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع ، فإذا أتينا على
شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل من المشركين وسيف
النبي صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة ، فاخترطه فقال : تخافني ، قال :
لا قال فمن يمنعك مني؟ قال: الله فتهدده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ،
وأقيمت الصلاة ، فصلى بطائفة ركعتين ، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى
ركعتين ، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ، وللقوم ركعتان ).
وكان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب القساة ، فلم
تجترئ القبائل من غطفان أن ترفع رأسها بعدها ، بل استكانت حتى استسلمت ،
وأسلمت ، حتى شارك بعضها في فتح مكة وغزوة حنين .
وبهذا تم كسر أجنحة الأحزاب الثلاثة ، وساد الأمن والسلام ربوع
المنطقة ، وبدأ التمهيد لفتوح البلدان والممالك الكبيرة ، لتبليغ الإسلام
ونشر الخي