روى البخاري عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أخبرت (( أنها اشترت نُمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قام على الباب فلم يدخل ، فعرفت في وجهه الكراهية ، فقلت : يا رسول الله، أتوب إلى الله وإلى رسوله ، ماذا أذنبت ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- :"
ما بال هذه النمرقة "؟ قالت : فقلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"
إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، ويقال لهم أحيوا ما خلقتم "، وقال :"
إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة ")) .
النمرقة : بفتح النون وسكون الميم وضم الراء ، وقيل بضم النون وبكسرها وكسر الراء، والجمع نمارق، وهي الوسائد التي يصف بعضها إلى بعض ، وقيل : النمرقة الوسادة التي يجلس عليها
.وقول عائشة : (( أتوب إلى الله .. )) فيه جواز التوبة من الذنوب كلها إجمالاً ، وإن لم يستحضر التائب خصوص الذنب الذي حصلت به مؤاخذته
.وفيه: أنه لا فرق في تحريم الصور بين أن تكون الصورة لها ظل أو لا
.وقولها : (( قام على الباب فلم يدخل )) قال ابن بطال : فيه أنه لا يجوز الدخول في الدعوة، يكون فيها منكر مما نهى الله ورسوله عنه، لما في ذلك من إظهار الرضا بها ، وحاصله إن كان هنالك محرم وقدر على إزالته فأزاله فلا بأس، وإن لم يقدر فليرجع
(1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : (( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر ، وقد سترت بقرام لي على سهوة فيها تماثيل ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه ، وقال :" أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله "، قالت : فجعلناه وسادة أو وسادتين )) (2) .
القرام : ستر فيه رقم ونقش ، والسهوة : الكوة وهي صفة من جانب البيت .
وقولها: (( فيه تماثيل )) جمع تمثال وهو الشيء المصور أعمُّ من أن يكون شاخصاً، أو يكون نقشاً، أو دهاناً، أو نسجاً في ثوب (3) .
- وفي الحديث بيان حرمة التصوير والنهي عن بقاء الصور ، بل الواجب إتلافها وطمسها.
قال ابن حجر : ( وصحح ابن العربي أن الصورة التي لا ظل لها إذا بقيت على هيئتها حرمت سواء كانت مما يمتهن أم لا، وإن قطع رأسها وفرقت هيئتها جاز، وهذا المذهب منقول عن الزهري ، وقواه النووي ويشهد له حديث النمرقة وقال النووي : " وذهب بعض السلف إلى أن الممنوع ما كان له ظل ، وأما ما لا ظل فلا بأس باتخاذه مطلقاً، وهو مذهب باطل ، فإن الستر الذي أنكره النبي - صلى الله عليه وسلم- كانت الصورة فيه بلا ظل بغير شك ، ومع ذلك فأمر بنزعه ) (3) .
- يستفاد من هذا الحديث مشروعية الغضب لمخالفة أمور الدين كما حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند انتهاك حرمات الله .
- وجوب الإنكار – قدر المستطاع – على المخالف، وإن لم يقصد المخالفة، فعائشة لم تتعمد الوقوع في ما يغضب الله.
- ينبغي على الرجل أن يكون قواماً على أهل بيته، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويتفقد بيته.
- الحديث على عمومه يدل على حرمة كل نوع من أنواع التصوير، الصغير والكبير، سواء أكان له ظل أو لا ظل له، يدوي أو فوتوغرافي، إذا كانت ذات روح ) (5) .
يتبع في العدد القادم