عندما يقرأ المسلم في كتاب الله ويتلو آياته؛ يتقوى إيمانه، فما بالكم عندما يجد المسلم آيات الله وقرآنه كأنها تتحدث عمليًّا، وتُطبق على الأرض، وتنطق بها الأحداث.
هذا ما يحدث في غزة، فآيات الجهاد التي كان المسلم يتلوها ها هي تتحدث وتتجسد عمليًّا، وتنطق بها الأحداث والوقائع في غزة.
يا الله، ما أروع تلك الأيام التي يعيشها المسلمون في ملحمة الجهاد في غزة، وإذا كانت السيدة عائشة رضي الله عنها وصفت النبي الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان قرآنًا يمشي على الأرض؛ فها هنا في ملحمة الجهاد في غزة نسمع ونرى آيات الجهاد في القرآن تتحدث في غزة، وتنطق بصدق المجاهدين الصادقين في غزة.
بدايةً كان الحصار من اليهود ومن كل العالم أجمع، ومن كل حدب وصوب، فمُنع الطعام والدواء والكهرباء، وكان التهديد والوعيد؛ فكان قول أهل غزة كما قال المؤمنون: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173].
وانطلقت حرب العدوان اليهودي الصليبي بتواطؤ من المنافقين والخونة، فكان قول الحق تبارك وتعالى يتجسد في قول وعمل أهل غزة: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [سورة التوبة: 52]، فمن شاهد حال أهل غزة؛ يجد تلك الآية تنطق وتهتف بها كل غزة، من سكانها المسلمين رجال ونساء وشيوخ وأطفال، فقد تربَّص كل أعداء الإسلام ـ من يهود وصليبيين وخونة ومنافقين ـ بعباد الله الموحدين في غزة، في مؤامرة خبيثة، ولكن أهل غزة كان قولهم جميعًا: "نحن مرابطون مجاهدون صامدون، ونأمل في الفوز بالنصر أو الشهادة في سبيل الله، وقد نال الشهادة"، حتى الآن 1070 نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدًا، والمعركة مستمرة تحقق النصر بالصمود والمرابطة.
ومع زيادة عدد الجرحى والشهداء؛ وجدنا قول الحق تبارك وتعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [سورة آل عمران: 140]، فكانت الآية الكريمة تنطق بهذه الأحداث؛ فقد ابتُلي المسلمون بجرح مايزيد عن 5000 واستشهاد مايزيد عن 1030 والعدد فى ازدياد، لكن العدو ناله من القرح أيضًا؛ فقد قُتل ما يقرب مائة، وجُرح مايقرب من 400، وإن كان العدو دمر وأصاب المنازل، فصواريخ المسلمين تصيب منازل اليهود مغتصابتهم وقواعدهم، وتنال منهم بفضل الله.
وعندما يتأمل المسلم ملحمة غزة في قتال اليهود؛ يجد قول الحق تبارك وتعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [سورة الأنفال: 60]، نعم فقد أعد المسلمون في غزة ما استطاعوا على قدر إمكانياتهم، ولم يستسلموا وينهزموا كما انهزمت أنظمة عربية واستسلمت، فرغم معرفة حماس والجهاد وفصائل المقاومة بإمكانيات العدو الجبارة، من أسلحة تدميرية مختلفة؛ ولكنهم امتثلوا للأمر القرآني وأعدوا ما استطاعوا؛ فتحقق لهم الوعد القرآني، ورغم إمكانيات العدو العسكرية الكبيرة جدًا؛ إلا أنه ورغم أكثر من أسبوعين على العدوان، فالعدو خائف متردد لا يستطيع اقتحام غزة، ومن وراء العدو أعداء كثر، يرون القوة والبسالة والجهاد بإمكانيات بسيطة، فيرتعبون من غزة المقاومة.
ومع ارتفاع صوت المنافقين؛ نجد قول الحق: {إذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 49]، نعم فالمنافقون يصيحون فزعًا في كل مكان؛ بسبب قوة إيمان المجاهدين وتوكلهم على الله وعدم ركونهم إلى أسباب المنافقين الأرضية الذليلة، وكل يوم لايهدأ عويل المنافقين وتثبيطهم للمجاهدين، وتقليلهم من إيمان وتوكل المجاهدين على الله.
ومع مسارعة الشباب والرجال إلى الجهاد، ومقاومة العدو في غزة بدون تردد ولا خوف، كان المشهد مشهد بيع الروح لله رخيصة في سبيل الله، فكان قول الحق يتحدث ويشاهده العالم: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111]، الله أكبر ربح البيع أهل غزة، ربح البيع أهل غزة، الموعد الجنة، قاتلتم وقتلتم، والله اشترى أراوحكم بالجنة، فما أعظم البيع وما أكرم المشتري.
الحقيقة أن المتأمل لما يحدث في غزة من عدوان ومقاومة وجهاد وتضحيات باسلة من أهل غزة؛ يستشعر صمود وجهاد أهل غزة، رغم أن خلفهم صوت المنافقين والخونة، وحولهم عدوان اليهود، ومن ورائهم الصليبيين وأهل الشرك، إلا أن المشهد يتحدث وينطق بمعظم آيات سورتي الأنفال والتوبة، فالمقاومة ثابتة بإيمانها، مما جعل الواقع يتحدث وينطق بآيات الأنفال والتوبة، في ملحمة جهادية رائعة، تذكرنا بالأجيال السابقة من سلفنا الصالح، الذي ضحى وجاهد من أجل الثبات على الدين والدفاع عن الحقوق بكل بسالة وقوة، رغم قوة الأعداء وشراستهم.
ومن أراد أن يتعلم ويفهم ما يحدث في غزة من مؤامرات سياسية وعسكرية للأعداء، وخيانة المنافقين، وبسالة وجهاد أهل غزة؛ فليقرأ سورتي الأنفال والتوبة، ويقف مع كل آية ويتدبر في كل حدث وقول ومخطط يحدث في غزة؛ سيجد الجواب الكافي في كتاب الله.
وأخيرًا، هل بعد تلك الملحمة الرائعة تنهزم غزة؟، أبدًا والله فنحن أمة لا تُهزم، أمة مؤمنة بربها الواحد الأحد تسعى دائمًا إلى إحدى الحسنين، فإما أن ننتصر أو نموت شهداء في سبيل الله.
فالثبات الثبات أهل غزة، توكلوا على الله، وجاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا، ينصركم الله ويشف صدوركم، ويخزي المشركين والمنافقين.
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ولكم مني يأهل غزة تذكرة بقول الحق تبارك وتعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة البقرة: 249].