الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فلْنَدعْ البكاء والعويل، ولننحي الحناجر المفتوحة على مصراعيها جانبا، ولنحاول أن نفهم: ماذا حدث؟ وكيف حدث؟
ماذا حدث؟
إن هناك دولة مسلمة تسمى فلسطين تحتوي على مدينة اسمها القدس، بداخلها ثالث أكبر المقدسات الإسلامية، واسمه المسجد الأقصى، هذه الدولة تم احتلالها من قبل ناس اسمهم اليهود، وبعد أن أتموا احتلالها أطلقوا عليها اسم إسرائيل، ولتعديل هذا الوضع الشاذ في التاريخ ينبغي تحرير الدولة المسماة فلسطين من الناس المسمون اليهود.
هذا ما حدث ولعلك تستغرب من بساطة وسذاجة الأسلوب الذي أكتب به، ولكن المسألة فعلا بسيطة، ولا تحتاج إلى كل هذا الكم من التعقيدات والمناظرات حول ماهية الوضع والصراع العربي الإسرائيلي، والتطبيع من عدمه، وحمامة السلام التي بحثوا عنها في جميع "العشش" ولم يجدوها حتى الآن!!
كيف حدث ما حدث؟
فهذا هو السؤال الجدير بالبحث والمناقشة، وإقامة المناظرات للإجابة عنه.
فمع تصاعد موجات الكراهية ضد اليهود في أوروبا الكاثوليكية إبان العصور الوسطى، والتي أدت في النهاية إلى طرد اليهود من انجلترا عام 1275م، ثم فرنسا عام 1306م، ونفس الشيء فعلته المجر عام 1360م، وبلجيكا عام 1370م، وسلوفاكيا عام 1380م، والنمسا عام 1430م، وهولندا عام 1444م، وأخيرا إسبانيا 1492م.
بدأ يهود أوروبا يفكرون جدِّيَّا في المستقبل البائس الذي ينتظرهم بعد أن ضرب عليهم الشتات في الأرض من جديد، ورغم عودتهم بعد ذلك إلى الدول التي طردوا منها مظفرين بعد أن انتقموا من الكنيسة الكاثوليكية وملوك أوروبا معا؛ بتدبيرهم الثورة الفرنسية عام 1789م أولى الثورات العلمانية في أوروبا، والتي طارت من بعدها العلمانية إلى أوروبا كلها، وفي خلال سنوات معدودة ودعت أوروبا الغربية كاثوليكيتها إلى غير رجعة، وأدخلت ملوكها وقياصرتها إلى متحف التاريخ، وتبعتها أوروبا الشرقية بقيادة روسيا، ولكن السلاح هذه المرة كان الشيوعية وليس العلمانية، ونستطيع القول بأنه بعد عام 1917م "بداية الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا" لم يعد في شوارع أوروبا كاثوليكي واحد، وانحصرت الكاثوليكية في الأديرة والكنائس.
ومنذ قيام الثورة الفرنسية في فرنسا إلى قيام الثورة البلشفية في روسيا لم يبقَ في أوروبا دولة إلا وداينها اليهود. "انظر أحجار على رقعة الشطرنج لويليام كاري"
ورغم كل هذه الانتصارات السياسية والاقتصادية ليهود أوروبا، إلا أنه -ولسبب ما- بدأ كبار اليهود في العالم (ما عرف بعد ذلك بالحركة الصهيونية) يفكرون في جمع يهود العالم في وطن واحد.