بسم الله الرحمن الرحيم موت الفجأة من وجهة نظر شرعية الموت حق واقع على كل انسان فيسن الاكثار من ذكره والاستعداد له والتأهب لنزوله، واخذ العدة لما وراءه ،
وذلك بالمبادرة الى التوبة من المعاصي ورد المظالم والتخلص من حقوق العباد حتى لا يفاجئ الموت الانسان وهو في غفلة عنه.
فعلى الانسان ان يخاف من الله تعالى ويتذكر العرض والسؤال بين يدي ربه جل وعز الذي قال سبحانه في كتابه: {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية} ولحديث "أكثروا من ذكر هادم اللذات" رواه الخمسة بأسانيد صحيحة وصححه ابن حبان.
والامر المفاجئ هو ما يهجم على الانسان من غير ان يشعر به هكذا جاء في لسان العرب وفيه ايضاً: كل ما هجم عليك من امر لم تحتسبه فقد فجأك، قال: وموت الفجأة، ما يفجأ الانسان من ذلك. وقد بوب البخاري في صحيحه في كتاب الجنائز بقوله: "باب موت الفجأة البغتة" ثم ساق حديث عائشة ان رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم ان امي افتلتت نفسها، واظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها اجر ان تصدقت عنها قال نعم.
قال ابن حجر في الفتح "وموت الفجأة وقوعه بغير سبب من مرض وغيره" ومقصود البخاري بهذا التبويب انه ليس بمكروه لانه صلى الله عليه وسلم لم يظهر منه كراهيته لما اخبره الرجل بأن امه افتلتت نفسها.
ولكن يرد - بفتح الياء وكسر الراء - على هذا حديث عند احمد رواه ابو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بجدار مائل فأسرع وقال:
"أكره موت الفوات".
قال ابن بطال: وكان ذلك والله اعلم لما في موت الفجأة من خوف حرمان الوصية وترك الاستعداد للمعاد بالتوبة وغيرها من الاعمال الصالحة أ. ه وقد جاء في بعض الاحاديث "المحروم من حرم وصيته".
ولعل البخاري أراد بهذه الترجمة ان من مات فجأة فليستدرك ولده من اعمال البر ما أمكنه مما يقبل النيابة. وبهذا يتبين ان بعض اهل العلم نقل كراهة موت الفجأة لما تقدم، وبعض اهل العلم نقل انه رحمة وراحة لمن كان مستعداً له ومراقباً لله بأعماله كما في الحديث الذي اخرجه احمد والبيهقي: "موت الفجأة راحة للمؤمن واخذة اسف للفاجر" وفي رواية للكافر.
والمعنى ان اخذ الكافر فجأة هو اثر غضب الله عليه حيث لم يتركه للتوبة والاستعداد للدار الآخرة. وقد جاء في حديث آخر عند ابي داود واحمد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "موت الفجأة اخذة اسف" أي اخذة غضب او غضبان، يقال اسف يأسف اسفاً فهو آسف اذا غضب وهذا في حق الكافر، وفي تفسير ابن كثير عن طارق ابن شهاب قال: كنت عند عبدالله فذكر عنده موت الفجأة، فقال: تخفيف على المؤمن، وحسرة على الكافر، ثم قرأ "فلما اسفونا انتقمنا منهم".
أما في حق المؤمن فإنه رحمة وتخفيف لأن المؤمن غالباً مستعد لحلول الموت مؤمن به موقن بوقوعه.
يتناقل بعض الناس ان موت الفجأة من علامات الساعة وهذا لم يرد فيه حديث صحيح فيما اعلم إلا ما نقل عن انس بن مالك رضي الله عنه قال: من اشراط الساعة حفز الموت، قيل: يا أبا حمزة، ما حفز الموت؟! قال: موت الفجأة" نقله ابن بطال عن ابن ابي الدنيا.
ولئن كثر موت الفجأة في هذا الزمن مما يشاهد من كثرة الحوادث التي تقع من السيارات وغيرها او يكون من غير سبب فإنها آجال محدودة، ومقدرة من العليم الخبير الذي قال وقوله الحق: {وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}.
فإذا علم ذلك كان على المسلم ان يقبل على الله تعالى بتوبة صادقة ويخلص نفسه مما عليه من الحقوق فإذا استعد لذلك بصالح العمل فلا خوف عليه ولا حزن وما ينزل به فهو من لطف الله سبحانه وتخفيف عليه، وما تنزل النقمة على أحد إلا مع الغفلة نسأل الله تعالى الرحمة والعافية وحسن الخاتمة