لا شك أن خدمة الزوج والقيام على مصالحه أولى للمرأة المسلمة من الاشتغال بالنوافل لوالمستحبات وهي في حضرته فكيف لو كانت العبادة تتطلب سفرا وابتعادا عن الزوج ويترتب على ذلك تركا وتضييعا لحق الزوج. والشريعة جعلت للزوج حقا عظيما على المرأة بعد حق الله وهو أعظم من حق والديها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت امراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها). رواه الترمذي وصححه. وروى النسائي أيضاً من حديث عائشة قالت: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال. زوجها). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه). رواه أحمد.
وقد نبهت الشريعة على هذا الأصل العظيم من تقديم الزوج وإيثاره على نوافل الطاعات فقد نهيت المرأة عن صوم النفل في حضرة الزوج كما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه). ونهيت عن الخروج إلا بإذنه ونهيت عن الحج إلا بإذنه وغير ذلك مما يدل على عظم حق الزوج وتأكده وأن طاعته وخدمته آكد من الاشتغال بالنوافل والمستحبات.
وقد كن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يتركن قضاء الصوم لاشتغالهن بالقيام بحق الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته كما ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها وهذا يدل على كمال فقههن وورعهن وبصيرتهن في الدين.
فينبغي على المرأة المسلمة أن تكون فقيهة بمقاصد الشرع متوخية لمراد الله ومرضاته وأن تعلم أن اشتغالها بالواجب المتأكد أولى من اشتغالها بالسنة ولا تقدم هواها وراحتها على ماقدمه الله فتكون في عبادتها تاركة للفاضل أو واقعة في إثم من حيث لا تشعر. وبعض النساء اليوم تخطئ في هذا الجانب فتشتغل بالعمرة والحج أو الدعوة وطلب العلم أو النسك النافلة وتضيع رعاية الزوج الواجبة عليها وهذا من قلة الفقه وضعف البصيرة.
أما بالنسبة لذهاب أمك فإن كان أبوك قد أذن لها ولا يترتب على سفرها للعمرة تضييع لحقه وخدمته بحيث أوكلت أحدا من محارمه بالقيام على خدمته وتمريضه ومراعاة حالته الخاصة فلا بأس في سفرها وهي مأجورة إن شاء الله.
وإن كان لم يأذن لها بالعمرة أو أنها لم تترك أحدا يقوم على خدمته وتمريضه ومراعاة أحواله فلا ينبغي لها السفر وأخشى أن تكون آثمة في سفرها. وتركه مع الخادمتين لا يفي بالغرض لأنه غالبا سيحصل له خلوة بإحداهما ولأنه قد يحتاج إلى من يطهره ويلي عورته وغير ذلك من الأمور التي لا تتحقق مع وجودالخادمتين بلا إحدى محارمه.
ولا شك أن الزوج إذا كان كبيرا أو مريضا تعين على المرأة أن تخدمه وتقوم على مصالحه وتجتهد أكثر مما لو كان خاليا من ذلك.
فنصيحتي لأمك أن تقدم طاعة زوجها وخدمته على أداء العمرة وأن تحتسب الأجر والثواب في ذلك وتكون وفية له في آخر حياته وربما حصل له شيئ في سفرها فندمت على تفريطها ولامت نفسها. ويرجى للمرأة إذا تركت أداء العمرة والحج أو طلب العلم وهي قادرة على ذلك لأجل الاشتغال بخدمة الزوج وصدقت في نيتها أن يكتب لها أجر وثواب من عمل تلك العبادة لأنها معذورة في تركها مع صدق النية ونية المرء أبلغ من عمله وقد ورد في الشرع جملة من الأدلة تدل على هذا المعنى.
والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين