يسر الخِطبة في العصر القديم :
أدرك المسلمون الأوائل ارتباط الزواج بالشرع فلم يفصلوا بينهما كما يفعل بعض المعاصرين الذين يدعون إلى فصل الدين عن الدولة ، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل من الزواج نصف الدين فقال : " إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين ، فليتق الله في النصف الباقي " رواه البيهقي .
لهذا كان هؤلاء يسارعون إلى تزويج أبنائهم إكمالاً لنصف دينهم ، وتنفيذاً لأوامر الله عز وجل واتباعاً لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الذي جعل مسؤولية فساد الولد تقع على الأهل في حال إخلالهم بواجباتهم تجاه أبنائهم ، فقال عليه الصلاة والسلام: " من بلغ ولده النكاح وعنده ما يُنكحه فلم يُنكحه ثم أحدث حدثاً ، فالإثم عليه " رواه الديلمي عن ابن عباس .
وقد كان لهؤلاء الأوائل معاييرهم الإسلامية في اختيار الزوج وفي تيسير أمر زواج بناتهم ، ومن هذه المعايير :
-1- الإسراع في تزويج المرأة الخالية من الزوج ، تنفيذاً لأمر رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : " ثلاث يا علي لا تؤخرها : الصلاة إذا آنت، والجنازة إذا حضرت ، والأيِّم إذا وجدت كفــؤاً" رواه الترمذي .
-2- البحث عن التقوى ، فلم يرغب الصحابي لابنته إلا في الزوج التقي ، لعلمه أن التقي لا يظلم ، فقد قال رجل للحسن رضي الله عنه : " قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوجها؟ قال : ممن يتقي الله ، فإن أحبها أكرمها ، وإن أبغضها لم يظلمها " الإمام الغزالي ، احياء علوم الدين ، ج2 ، ص41 .
-3- تخفيف المهور ، حيث كانوا يتبعون سنة الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الأمر ، فهو القائل : " خير الصَّداق أيسره " رواه الحاكم .
-4- عَرْضُ الصحابة والتابعين بناتهم للزواج على من يجدون فيه خيراً وصلاحاً ، وعدم اعتبار هذا الأمر مشيناً بكرامة الفتاة ، وكرامة الوالد ، وهذا الأمر لم يفعله صغار القوم ، كما قد يتراءى لبعض الناس ، بل فعله كبارهم ، كعمر بن الخطاب وسعيد بن المسيِّب رضي الله عنهما .
-5- عرض المرأة نفسها على من ترى فيه صلاحاً ، وعدم استهجان الرجال الصالحين هذا الأمر ، فقد ورد في صحيح البخاري عن ثابت البناني أنه قال :
" كنت عند أنس وعنده ابنة له ، قال أنس : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها قالت : يا رسول الله ، ألك بي حاجة ؟ فقالت بنت أنس : ما أقل حياءها ، واسوأتاه ، قال : هي خيرٌ منك ، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها " رواه البخاري .
-6- إعانة طالبي الزواج التزاماً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال :
" ثلاثة حق على الله عونهم : المكاتب الذي يريد الأداء ، والناكح يريد العفاف ، والمجاهد في سبيل الله " رواه النسائي وابن ماجه .
لهذه الأسباب ولأسباب أخرى لا يمكن حصرها في هذه العجالة ، كان الزواج في تلك العصور زواجاً ميسراً ومباركاً ، لأن من كان مع الله فإن الله معه وهؤلاء رجال قال فيهم الله عز وجل :" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " سورة الأحزاب ، آية 23 .
عسر الخِطبة في العصر الحالي :
يستطيع المتتبع لأحوال المسلمين اليوم أن يلحظ الفشل والتراجع الذي طال حياتهم الدينية، والاجتماعية والاقتصادية ، وقد تفاقم هذا الفشل حتى أصبح من السهل على الإنسان العادي أن يلحظه ويبدي تخوفاً من تفاقمه .
وقد حصر رسول الله عليه الصلاة والسلام أسباب التراجع والضلال في حياة المسلم بسببين هامين فقال صلى الله عليه وسلم :" تركت فيكم شيئين ، لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض " رواه الحاكم .
وقال عليه الصلاة والسلام : " لتتبعن سُنَنَ من قبلكم ، شبراً بشبر ، أوذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جُحر ضبّ لسلكتموه ، قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ " رواه احمد .
ففي هذين الحديثين يلخص الرسول عليه الصلاة والسلام سبب الضلال والشقاء الذي يعاني منه المسلمون اليوم ، إذ أنهم يواجهون صعوبات ما كانت لتكون لو أنهم التزموا بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وما كانت لتكون لو أنهم تركوا اتِّباع غير المسلمين والتزموا بمنهج الله عز وجل .
ومن آثار هذا التراجع ما يشهده المجتمع الإسلامي من فشل في الزواج ، بل وفشل في مقدمة الزواج وهي الخِطبة
ســـــــ رياض الصالحين والاحبه فى الله ــــاجده لله