بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحْبه ومَن والاه، وسار على هديه وهداه إلى يوم الدين.
أما بعدُ:
في ذلك اليوم تسلَّلَت الأساطيل إلى داخل المرفأ، حيث كان الجو هادئًا، ولا أعلام حربية على الصواري، وفجأة ابتدأ هجوم مرعب، وانتهى اليوم بنبأ هزيمة فاجعة، باتت المسمار الأخير في نعش القوة البحرية العثمانية في البحر المتوسط.
ما حدث كان واقعة من وقائع يوم (28 ربيع الأول من عام 1243هـ، 20 أكتوبر من عام 1827م)، حينما هاجَمَ أسطول مشترك من السُّفن البريطانيَّة والفرنسية والروسية الأسطول العثماني، وسنده المصري في ميناء (نافارين) اليوناني.
هذه الواقعة كانت جزءًا من مشروع غربيٍّ استَهْدَفَ تَجْهيز مصر؛ لتكون اللقمة القادمة لأباطرة الاستعمار الأوروبيين، فقد أمسك بزمام الأُمُور في تلك الأيام محمد علي باشا، ولم يكن محمد علي أكثر من أداة استعملها الغرب، فلما رأوا أن قوته تزداد، استهدفوا تدمير أسطوله، وقبلها الأسطول العثماني في (نافارين) كما سبق، ثم قاموا مرة أخرى وخلال الحرب المصرية العثمانية التي استعرت عام (1247هـ، 1831م)، بِخَوْض معارك مدمرة ضده في الشام.
هذه الأحداث الكثيرة والكبيرة وقعتْ نتيجة رغبة غربية لتدمير مصر، التي بدأت تظهر كقوة في المنطقة، وقد خشي الغربيون أن تعود مصر وتُساهم في إعادة قوة الخلافة المتهالكة، لا سيما أنها فتية وقوية وحديثة، مقارنة بالدولة العثمانية.
هذا العرض التاريخي يُظهر لنا أمرًا مهمًّا، وهو السَّعْي الغربي الحثيث لكَسْر أيَّة قوَّة للمسلمين مهما كان توجُّهها.
والسؤال هنا يبرز حَول الكيفيَّة التي يُمكن بها أن تنهضَ الأمَّة، وتمتلك القوة، فالتنظير وحده لن يكون مفيدًا إذا ما افتقد البحث والعمل.
والواقع يقول: إنَّ هذا العصْر هو زمان يصعب فيه إحداث تغييرات جذرية بالنسبة لمواقع الأمم ومراتبها في قائمة القوة العالمية، إلا أن يشاء الله شيئًا؛ لأنَّ أغلبَ المشاريع النَّهْضِيَّة تقع تحت مجهر الإعلام، الذي يُساهم في صُنْع مواقف مضادة لهذه المشاريع، وبذلك فقد كان السعي الإيراني لامتلاك التكنولوجيا ذريعة لشنِّ هجوم إعلامي ضخم عليها، على الرغم من الجهود الإيرانية المؤثرة في حرب أمريكا على ما تسميه (الإرهاب)، وهو الأمر الذي اعترف به كبار ساسة إيران.
المشروع النَّهْضِيُّ الكوري الشمالي هو الآخر تَعَرَّضَ لحرب شعواء، والنظام الكوري أصعب حالة مقارنة بالوضع الإيراني، على الرغم من أن الفقر يتفشى في الدَّولَتَيْن، إلا أن إيران اتخذت من روسيا حليفًا، حيث استفادت من مناطق التقاء بينهما، وبالتالي وجدت فرصة جيدة، على عكس النظام الكوري الذي أظهر تشدُّدًا وتعنُّتًا كبيرين في التعامل مع دول العالم، حتى بات يعيش على مساعدات الأمم المتَّحدة.
وعلى الطرف المقابل نرى المشروع النهضي الصيني، مشروعًا ناجحًا تمامًا، إذا ما نظرنا إلى النتائج الكبيرة جدًّا التي حققتْها الصين، منذ خمسينيات القرن الماضي وإلى الآن، حيث باتت واحدة من أقوى دول العالم، مستفيدة في نهوضها من التقارب الأيديولوجي بينها وبين الاتحاد السوفييتي السابق.
وبالتالي، وبناء على هذا، فإنَّ المشاريع النهضية في هذا العصر، لا يُمكن أن تنشأ إلا على مجموعة من التحالفات الإستراتيجية، ليس بين قوة ناشئة وقوة عظمى؛ لأنَّ دور القوى العظمى هنا هو دور تدميري لهذه المشاريع؛ ولكن تحالُفات بين دول ناشئة تملك نقاط اشتراك صلبة تُساهم في بناء تحالف قوي جدًّا.
العالم الإسلامي هو مجموعة كبيرة من الدول، وبالتالي فهي دول تستطيع بناء تحالف كبير وقوي، لا سيما أن هذه الدول تملك واحدة من أهم نقاط الالتقاء، وهي وحدة العقيدة، التي تُساهم في توحيد الأهداف والتطلعات إلى حدٍّ كبير، كما تُساهم في إشاعة جوٍّ من الحرص ليس على المصالح الذاتية أو القطرية فقط، ولكن على المصالِح الإسلامية بعامة.
والغرب عرفوا أهمية هذه الوحدة، فحرصوا على تجزِيء العالَم الإسلامي، وإنشاء القوميات، وإشاعة الصراع القومي والإقليمي لتضييع الوحدة الإسلامية.
وختامًا: فعلى الساسة المسلمين أن يعرفوا تمامًا أنهم مسؤولون عن دولٍ تشكِّل أطباقًا دسمة على موائد اللئام، وبالتالي فإنَّ هناك حاجة ماسَّة إلى تحرُّك حقيقي وعملي، لإنشاء تحالُف إسلامي قوي وقادر على التعامُل بحزْم وجدية أكبر مع الملفَّات الساخنة في العالَم الإسلامي، كظهور القوة الإيرانيَّة، وتعقيد الملف الباكستاني، والمشاريع المتطرفة لـ"
نتن ياهو" وفريقه، إلى جانب التهديدات الكبيرة التي يواجهها الأقصى ومدينته، وقضية فِلَسْطين بعامة.
مصعب خالد
ALZAHRAALMOSLMA