غريبٌ، ما أقسى هذه الكلمةَ! وما أشدَّ وقْعَها على الأسماع! تخيَّل أنك تُنادَى وتُوصَف بهذه الكلمة، وأنت بين أهلك وخلاَّنك! إذا كان وقعها مؤلمًا، وأنت حقًّا غريب، فكيف بها إذًا وأنت في وطنك، وبين أهلك؛ لا، بل حتى في دارك؟! أكيد سيكون لها وقع أشد وأعمق.
نعم، شعور قاسٍ أن تشعر بأنك غريب في بيتك، وبين أهلك وإخوانك، تحاول أن تتواصل معهم، ولكن محال عليك أن تفعل.
مسكينةٌ أيتها العصفورة، واهًا لكِ! ثم واهًا على هذه الحالة التي أوصلوكِ إليها! كنتِ ترقدين في عشِّك آمنة، يأتيكِ رزقُك رغدًا، هانئة البال، مرتاحة الخاطر، حتى لمع برق ولا كالبرق، فآذَنَك بمطر وليس كالمطر، لَزِج كَزَهَمِ الأموات، عَفِن كعَفَن الأرض، أسودُ يوحي باليأس، حالُك كليلة شتاء غادرها شعاعُ الصباح، فتاهَ ولم يعرف للعودة طريقًا.
ران عليك بثقله، ورهبته، وحلكته، وزادكِ بمطره ونتنه بؤسًا على بؤس، والمصيبة لم تكتمل، انظري! ها هي أسراب الغربان جاءتك، ها هو ذا أحدهم، إنه يتقرب إليك بلطف، كريه: هل لي أن أريح أجنحتي على أكناف عشِّك؟ وللأسف! كنتِ طيِّبةَ القلب فوق الحد، وأخذ يراوغ ويراوغ: هل لكِ أن تفسحي لي قليلاً، أريح ساقي؛ فقد أجهدني الوقوف؟ وراوغ وراوغ.
من ثَم لم يجد حرجًا في أن يجعلك تقفين على طرف عشك، لا؛ بل تعيشين في أكنافه، ثم لم يجد حرجًا أن يجعلك تعششين أسفل الشجرة، فلا داعي لأن تُتعبي أجنحتك النديَّة بالطيران أعلى الشجرة؛ فالأرض أكثر راحة، وتناسى الملعون أنها أكثر خطرًا، وأشد قساوة.
فيا لَلَّهِ لِحالِكِ! تُدْمين القلبَ أسًى وحزنًا، وتقرحين الكبد كمدًا وهمًّا على ما وصلتِ إليه.
لقد أجبرك على أن تتقبَّليه، ولكنه - وهو في بيتك - لم ولن يتقبلك حقيقة، وإن حدث هذا ظاهرًا، فهو لن يرضى أبدًا؛ إلا أن يكون كلُّ شيء له وحده، جلَّلتِ نفسَكِ بالسواد؛ لعلَّك تخدعين الغربان، فيتقبلونك واحدة منهم، ولكن هيهات! فلا السواد نفعك، ولا التقليد أقحمك في مجتمعٍ، هو مجتمعك أصلاً، فضيعتِ نفسك، وفقدت هُوِيَّتك، فلم تصبحي غرابًا، ولكن لم تعودي تلك العصفورة الطيبة أيضًا:
إذًا؛ وبعدما قرأت، هل تشك أخي أنه لا يمكن أن تعيش غريبًا بين أهلك وفي بيتك؟ البيت بيتك، والوطن وطنك، ولكن أدوات اتصالك كلها، مقطوعة.
محمد هيثم جمعة مآآآآآجده
عدل سابقا من قبل المدير في الخميس 7 مايو - 22:45:53 عدل 1 مرات (السبب : تعديل الخطوط والالوان)
ابو عبد الرحمن مهدى
عدد الرسائل : 1068
موضوع: رد: عصفور أراد التغيير فأصبح ... شيئا ما يطير الإثنين 11 مايو - 22:54:42
ALZAHRAALMOSLMA
عدد الرسائل : 1368
موضوع: رد: عصفور أراد التغيير فأصبح ... شيئا ما يطير السبت 16 مايو - 17:15:11