هو الخطيب المفوّه، والداعية الكبير الذي لقي ربه وهو ساجد يصلي، الشيخ عبد الحميد كشك، أشهر من اعتلى منبر الجمعة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الميلادي المنصرم.
حياتـه وعـلمــه
ولد الشيخ عبد الحميد كشك في قرية (شبراخيت) بمحافظة البحيرة في العاشر من مارس عام 1933، وحفظ القرآن الكريم وهو دون العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية. وفي السنة الثانية من المرحلة الثانوية حصل على تقدير 100%، وفي الشهادة الثانوية الأزهرية كان ترتيبه الأول على الجمهورية.
ثم التحق الشيخ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة، وكان أثناء الدراسة الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية في محاضرات عامة للطلاب بتكليف من أساتذته، الذين كان الكثير منهم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب، وخاصة علوم النحو والصرف.
بعد تخرجه في كلية أصول الدين، حصل على إجازة التدريس بامتياز، ثم عمل إماما وخطيبا بمسجد الطحان بمنطقة الشرابية بالقاهرة، ثم انتقل إلى مسجد المنوفي بالشرابية أيضا، وفي عام 1962 تولى الإمامة والخطابة بمسجد عين الحياة.. ذلك المسجد الذي ظل الشيخ يخطب فيه إلى أن اعتقل في عام 1981، وتم منعه نهائيا من الخطابة إلى أن لقي ربه.
ومن الجدير بالذكر أن أول خطبة خطبها الشيخ وهو ابن 12 سنة، وذلك بمسجد قريته عندما خطيب المسجد، فتكلم عن المساواة والتراحم بين الناس، وطالب بالدواء والكساء لأبناء القرية، الأمر الذي أثار انتباه الناس إليه، والتفافهم حوله.
وقد تعرض الشيخ للاعتقال أول مرة في عام 1965، وظل بالمعتقل لمدة عامين ونصف، تنقل خلالها بين معتقلات ليمان طرة، وأبو زعبل، والقلعة، والسجن الحربي.
جدير بالذكر أن الشيخ كشك كان مبصرا إلى أن صار عمره ثلاثة عشر عاما ففقد نور إحدى عينيه، وفي سن السابعة عشرة، فقد العين الأخرى، وكان كثيرا ما يقول عن نفسه، كما كان يقول ابن عباس رضي الله عنهما :
إن يأخــذ الله من عينـيّ نــورهما .. ففــي فــؤادي وعـقلي عنهمـا نــور
خطب الشيخ كشك
ترك لنا الشيخ الجليل كنزا من الأشرطة التي تضم خطبه ودروسه، والتي كان لها الأثر الكبير في أوساط الجماهير المؤمنة، خاصة الشباب، وقد كتب الله لهذه الأشرطة الذيوع والانتشار في شتى أنحاء الأرض. وقد وصل عدد خطبه إلى 425 خطبة. كنت تسمع أشرطته عند أساتذة الجامعات كما تسمعها عند سائقي السيارات وبائعي الفاكهة والعصائر، وكان يحبه العلماء والمثقفون كما يحبه العامة والفلاحون والعمال. وكانت الخطبة الأخيرة هي الخطبة التي خطبها قبيل اعتقاله عام 1981 والتي بدأها بقول الله تعالى : " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار. مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ".
مفاتيح شخصيته
وإذا أردنا أن نضع مفاتيح لشخصية الداعية الكبير عبد الحميد كشك، فإننا نجد أنها تتلخص في أربعة أمور :
أولا : الإخلاص العميق في كل علم وعمل.
ثانيا : الصدق والثبات والشجاعة إلى أقصى حد.
ثالثا : الذكاء الحاد وخفة الظل التي قرّبت مفاهيم الدعوة للناس.
رابعا : المواهب الشخصية التي حباه الله بها، كالذاكرة الذهبية، والفصاحة التي لا مثيل لها.
وفــاتــه
كانت نهاية الشيخ بحق هي حسن الختان. ففي صباح يوم الجمعة، الخامس والعشرين من شهر رجب لعام 1417، الموافق 6 ديسمبر 1996، توضأ الشيخ في بيته لصلاة الجمعة، وكعادته، كان يتنفل بركعات قبل الذهاب إلى المسجد، فدخل في الصلاة، وصلى ركعة، وفي الركعة الثانية، سجد السجدة الأولى ورفع منها، ثم سجد السجدة الثانية وفيها أسلم الروح إلى بارئه.
رحم الله الشيخ الجليل، والداعية الكبير عبد الحميد كشك، ورحم الله كل من ضحى بنفسه وماله ووقته في سبيل رفعة هذا الدين العظيم