للمرة التاسعة في توقيتها سنويا تُنفّذ قطعان الإرهابيين الغزاة محاولة اقتحام المسجد الأقصى وتثبيت قاعدة هيكلهم المزعوم في باحته الشريفة، وللمرة التاسعة لمواجهة هذه المهمة الإرهابية القذرة تندفع تلك الجموع في ظهيرة الأحد السابع والعشرين من أيلول لانتهاك كل حرمات الديانات السماوية والعهود الأرضية والأخلاق الحضارية لأمم الأرض، ولا يحمي جنبات الحرم الشريف إلاّ أولئك العظماء بتضحياتهم، البسطاء بإمكانياتهم من المحيطين ببيت المقدس وبأكنافه في الضفة والخط الأخضر، يقودهم شيخ المرابطين عند عتبات البيت المقدس رائد صلاح وإخوانه في الحركة الإسلامية في الخط الأخضر، وشبابٌ وشيبٌ من أهل الأرض المباركة.
ستة عشر جريحاً حتى كتابة هذه السطور اخترق أجسادَهم رصاصُ العدو الصهيوني، وهم بلا سلاح، وقطعان الإرهاب مدججون بسلاحهم الشخصي وبسلاح المليشيات الصهيونية، ومع ذلك لا يزالون ثابتين يردون عن جنبات الأقصى بدمائهم وأرواحهم.
نعم إنه مشهد مثير لكُل عاطفة إنسانية، ولكن ذلك المشهد الممتلئ بعنجهية الصهاينة وفدائية أبناء الأرض المباركة ليس كل جوانب القضية؛ فالمسألة والصورة فيها كثير من القول والتحليل.
إن هذا المشروع الدوري ليس جماعة ناشزة في المجتمع الصهيوني، ولكنه برنامج معتنى به من كل دوائر القرار في سدة الحكم الإرهابي وفي أدناه, ولنتذكر جيداً أيضاً أن جماعة أمناء الهيكل المزعوم نشأت وترعرعت برعاية من المؤسسات اليهودية الأمريكية والمنظمات والشخصيات الداعمة لها في الولايات المتحدة ولا تزال, فلنتذكر ذلك جيداً... وإن رفع السقف الدوري لحالة الاقتحام الصهيوني إنما تستمد جرأتها ووقاحتها وشناعة إقدامها من هذا الدعم المستمر، ومن الاستشعار المتعاظم بأن مبادرات العرب المستمرة نحو المشروع الصهيوني واتفاق السلام معه لا تزال تُشجّع هذه الخطوات، ولا تقوم بأي مبادرة أو اعتناء إعلامي أو سياسي أو تصعيد دبلوماسي, ولا تبادر بتطبيق قرارات تنفيذية بالإمكان أن تتحقق وليست معجزة دبلوماسياً واقتصادياً وسياسياً, ومع ذلك لم يتحرك النظام الرسمي العربي، ولذا فهم الصهاينة القضية، وزادوا في عدوانيتهم.
بل إن التذكير بالأقصى كقضية القضايا مع كل ما يجري من حفريات وانتهاك صارخ لدور عبادة مقدسة للمسلمين، يتوارى في خطاب الزعماء العرب، ويحل بدلاً منه تجميد الاستيطان، وكأنما القضية مع الصهاينة في توسّع إسكانهم، وليس في أصل احتلالهم وطردهم وقتلهم للسكان الأصليين.
ولنتذكر جميعاً كيف يستمر هذا الغرب المُستعلي العنصري الحاقد الداعم للإرهاب والصانع له في تضليله، فلو مر المسلمون أينما وجدوا في الغرب عند دور عبادة مسيحية أو يهودية، ورمى بعضهم حماقة أو جهالة حائط هذه الدور، أو حاول خرقه وهدمه لقامت الدنيا ولم تقعد, في حين تُنظّم عمليات هجوم مسلح على ثالث أقدس بقعة عند المسلمين لمسجد عرفته الدنيا لأكثر من ألف من السنين ونصّت على تعظيم حدوده كل شريعة عادلة وخطاب حضاري، ولكن الغرب المنافق لا يعنيه الأمر، ولا يستوقفه بل يدعم المعتدين، ويستثني المسجد الأقصى عملياً من الآثار والمحترمات الإنسانية، ويعظّم أي حجر سواه ...فأي غرب منافق يرعى الصهاينة نستمع له ولتضليله؟!
إن الاستمراء لهذه الأعمال الإرهابية المتكررة وتعويد الشارع العربي على الصمت عليها أو عدم التحرك الوجداني والمادي لأجلها- قضية خطيرة يجب أن يتفهمها دعاة النضال الإسلامي والعروبي والإنساني لحماية هذا الحق التاريخي للأمة... ويجب أن تُجدد الحملات لأجله ولأجل نصرته، ويتحرك المحيط العربي مع منظمات المجتمع المدني الغربية التي تتألق في مسيرة دعمها لقضايا فلسطين، من الأقصى وحتى غزة... فتبعث هذه الروح في مؤسساتنا التربوية والإعلامية والثقافية والرأي العام، ولا يترك المشهد لأولئك الإرهابيين ومن يدعمهم، ويجب ألاّ يستشعر إخواننا في جنبات المسجد الأقصى المبارك أنهم وحدهم... بل يجب أن يُرفع الصوت وتُمدّ اليد لتخترق الحصار لأجل فلسطين والأقصى.. القضية الأولى للمسلمين.
مهنا الحبيل
الاسلام اليوم