سؤالٌ يُلح بسبب حيرةِ غير العرب من المسلمين وغير المسلمين الذين يَضيقون بالترجمة وتبايُنِها، سؤالٌ يضغط بسبب كثرة اختلاف المترجمين، وكلٌّ يدعي استحواذَه على معاني القرآن أكثرَ من غيره، أخطاءُ المترجمين يعتقد القارئُ الأجنبي أن هذا الخطأ ليس خطأ مترجم، وإنما هو خطأٌ موجود في القرآن نفسه، قضية خطيرة، يستشعر خطرَها من يعيش في بلاد الفرنجة، ويحتك ويتفاعل مع المسلمين وغير المسلمين.
ويبقى السؤال: هل يمكن الوصول إلى ترجمة فائقة لمعاني القرآن؟يجب أن تكون الإجابةُ عن هذا السؤال موضوعيةً من واقع الترجمة , فعلينا أن نتلمس واقع الترجمة, ونتدبر مظاهرَه وتضاريسه, لتكون الإجابةُ من واقع الاختبار, إجابةً موضوعية, لا تقبل الانحيازَ، وترفض المزايدة, بنظرة عامة على واقع الترجمة نجد سمات التباين, واستخدام المترادفات, يذكرنا هذا الوضع بقول أحمد شوقي:
وإذا فَرَّق الرُّعاةَ اختلافٌ علَّموا هاربَ الذئاب التَّجَرِّي! |
لهذا ليس من فراغ أن يتجرأ روبرت سبنسر ويتعرض بالنقد الشديد ويتهم القرآن بأنه كنسخة إنجيل الملك جيمس المزيفة
King James Bible English ؛ لأن المترجم استخدم كلمة واحدة "
ظرف" لتوضيح المعنى, ويزكي ترجمة داوود
N. J. Dawood's ويعتبرها أفضل, وداود هذا هو نعيم جوزيف داوود، ولد في 1927, وهو يهودي عراقي, هاجر إلى إنجلترا في 1945، تخرج في جامعة لندن, مشهور جدًّا بترجمته الإنجليزية لمعاني القرآن التي كانت لمدة طويلة الترجمةَ الأكثر رواجًا بالإنجليزية في العالم, صدرت في 1956, إلا أنه غير ترتيب السور من الترتيب التقليدي إلى ترتيب زمني. أخطاؤه في الترجمة متعمدة وكثيرة, وأعيد طباعتُها أكثر من 55 طبعة في خمسة عقود، وهو تعمد مستهدف لتضليل القابلية تجاه القرآن الكريم، ولا تزال ترجمته تمثل "إساءة ترجمة" لمعاني القرآن.
الغريب أن روبرت سبنسر يزكي ترجمة داوود, ويدعي أن المسلمين لا يقبلونها بسبب أن داوود استخدم كلمة "
God" for Allah ليبين مدى العنصرية لدى المسلمين, وما ادعاه سبنسر عارٍ من الصحة؛ لأن بعض المترجمين يستخدم
God" for Allah, والبعض يصر على استخدام (
الله), ولا حرج في ذلك، ثم وازن سبنسر بين ترجمة يوسف علي وبكتال, ولو توصلنا إلى الترجمة الفائقة لقطعنا الطريق أمام مزايدات دانيال بايبس, وسبنسر, وغيرهم كثير، ممن يستغلون اختلافات المترجمين بمهارة, وينفُذون منها إلى ما يريدون.
نماذج ثلاثة تمهد للإجابة:هذه نماذج ثلاثة نتلمس من خلالها إمكانياتِ الإجابة بموضوعية, ونركز على الإشارات التي تدل وتمهد لمعرفة معالم الإجابة, وقع اختيارُنا على هذه النماذج الثلاثة لمزايا موضوعية كثيرة جعلت هذه النسخ جديرةً بأن تكون موضعَ اختبار, منها أن بكتال إنجليزي مسلم, وهو محمد مارمادوك بكتال، يترجم إلى لغته الأم, ساعده في الترجمة فريق كبير همه الوصول إلى ترجمة نموذجية تقترب من معاني القرآن, ترجم معاني القرآن الكريم بعنوان The
Glorious Quran-Text and Translation في 1934م, وفي المقدمة يذكر اهتمامه بالدقة والأمانة, ولم ينس أن يذكر بالعرفان من ساعدوه, ومنهم من كانت اللغة العربية لغته الأم, وله دراية واسعة بالإنجليزية, كالدكتور محمد أحمد الغمراوي بك بكلية طب القاهرة, والشيخ مصطفى المراغي, وفؤاد بك سالم الحجازي, واللورد لويد, والدكتور كرينكو
F Krenko الذي أفاده ببعض الكلمات التي لم يجدها في المعاجم.
أيضًا اختيارنا ليوسف علي لما لترجمته من ارتياح عالمي من المسلمين خاصة, وإن كان سبنسر يحاول النَّيلَ منها, واتهامَها, فجديرٌ بنا أن نقف على نماذجها ونوازن بينها وبين غيرها ليتبين لنا أيضًا زيفُ ادعاء سبنسر, أيضًا ترجمة شاكر اكتسبت الصفة العالمية, إن اختيارنا لهذه النماذج لا يقلل من تراجم غيرهم, فهناك تراجم كثيرة لغيرهم لها صدى عالمي يقترب أو يكاد من مكانتهم العالمية, على سبيل المثال لا الحصر: ترجمة د. الهلالي, ود. محسن خان, واتصلت بهما لضرورة التقارب في الترجمة, غير أن اختيارنا لهذه النماذج الثلاثة, جاء كاختيار حتمي تحتمه شروط الاختبار: مترجم يترجم إلى لغته الأم, واختيارنا للأخيرين كشريحة لقدرة المترجم المسلم ودقة مهارته اللغوية ليقف مع غيره "
المترجم إلى لغة الأم" على قدم المساواة.
موازنة في الترجمة:لا نقف عند منهجية الترجمة, لنتأمل الموازنة, ونقف على مضامين الترجمة وننفذ من خلال العينات إلى تصور الملامح العامة التي تدل على إمكانية الإجابة عن السؤال المطروح بسلبية أو بإيجابية.
موازنة الأفعال:في هذه الآية الكريمة: قال تعالى: {
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]
Sura 4:34 .
استخدم اثنان من المترجمين الفعل نفسه, أضاف له الأول ظرفًا لتوضيح معناه, في حين اكتفى الأخير بالفعل نفسه, أما الثاني فقد استخدم فعلا آخر, وإن كان من معانيه المعني نفسه بلباقة, نظرًا لحساسية قضية ضرب النساء في الثقافة الغربية, من هذا يتبين أن الاقتراب مبشر جدًّا.
م | المترجم | الكلمة المستخدمة | المعنى | الملاحظات |
1
| يوسف علي | beat them (lightly) | اضربوهن ضربًا خفيفًا | أضاف للفظ, اتهم بعدم الموضوعية |
2 | بيكتال | scourge them | اجلدوهن | راوغ في اللفظ, نجح في توصيل المعنى |
3 | شاكر | beat them | اضربوهن | وقف عند حدود اللفظ, ودمر المعنى |
تحليل الترجمة:1- ترجمة بالزيادة: (
إضافة لفظة لتوضيح المعنى المقصود) حرصًا على خلفية وثقافة اللغة التي يترجم إليها.
2- ترجمة بالتبديل (
استخدم لفظة غير اللفظة الحقيقية ليوصل المعنى المقصود).
3- ترجمة تقف عند حدود اللفظ (استخدم مرادف اللفظة, بدون وعي تام بمعنى الكلمة في ثقافة اللغة التي يترجم إليها, لو يدري مدى حساسية مفهوم ضرب النساء في الفكر الغربي, لبدل اللفظة بلفظة أخرى, ترفع الحرج والضيق, وتوقف الغمز واللمز والاستشهاد بهذه الآية الكريمة).
استخدم بعض المترجمين غير هؤلاء فعل
Chastise بمعنى يؤدب, يعاقب, يضرب, مكان
beat .
موازنة معنى ذرة:في معنى ذرة في قوله تعالى: {
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40].
يبين هذا الجدول ترجمة كلمة الذرة عند المترجمين الثلاثة:
| المترجم | {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} |
1 | YUSUFALI | the least degree |
2 | PICKTHAL | the weight of an ant |
3 | SHAKIR | the weight of an atom |
اختلاف وتباين واضح وشديد, ترجمها الأول بمعنى الدرجة الدنيا, أي أقل درجة, ووزنها الثاني بوزن نملة, وحددها الأخير بوزن الذرة العلمية.
تصور أن القارئ الغربي يعتقد أن هذا الخطأ موجود في القرآن, وليس مجرد خطأ وقع فيه المترجمون!
موازنة بين بعض الأسماء الأكثر استخدامًا في الآيات القرآنية:
هناك كلمات كثيرة تستخدم بكثرة في القرآن الكريم؛ منها على سبيل المثال: الله, الرسول, الشمس, النجوم, الجبال، وكلهم اتفقوا واستخدموا نفس الكلمة
Angels بمعنى الملائكة, وأيضًا متفقون في ترجمة كلمة الجنة, واختلفوا في جهنم, أجارنا الله منها.
هذا الجدول للوقوف على نوعية أخرى من الأسماء:
| المترجم | الله | الرسول | ربك | الشيطان |
1 | YUSUFALI | Allah | the Messenger | the Lord | Satan |
2 | PICKTHAL | Allah | the Messenger | the Lord | Satan |
3 | SHAKIR | Allah | the Messenger | your Lord | Shaitan |
من هذا الجدول يتبين اتفاقهم تمامًا, وإن كان الأخير يصر على استخدام الكلمة العربية شيطان, وجدير بأن أذكر أن الثاني استخدم كلمة
the devil بمعنى الشيطان في الآية 62 من سورة النساء.
موازنة جملة من شطر آية:لنتعرض لمثال آخر لتحري الدقة والموضوعية, من قوله تعالى: {
مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [النساء: 46].
| المترجم | {سمعنا وعصينا} |
1 | YUSUFALI | We hear and we disobey |
2 | PICKTHAL | We hear and disobey |
3 | SHAKIR | We have heard and we disobey |
اتفق الأول والثاني, وإن كرر الأول الضمير
we بعد حرف العطف, وكان الأولى حذفه بعد حرف العطف بلاغيًّا وجماليًّا كما فعل مَن ترجم للغته الأم, الأول والثاني استخدما الزمن نفسه؛ المضارع البسيط, اختلف الأخير في زمن الجملة الأولى إذ جعله زمن المضارع التام
The Present perfect tense , واستخدم الضمير بعد حرف العطف كما فعل الأول.
موازنة شبه الجملة: من التعابير القرآنية التي تتكرر في كثير من الآيات {..
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ..}.
| المترجم | {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} |
1 | YUSUFALI | Allah! There is no god but He |
2 | SHAKIR | Allah, there is no god but He |
3 | PICKTHAL | Allah! There is no Allah save Him |
نلاحظ اتفاقَ كل من يوسف علي وشاكر, وبكتال اختلف اختلافًا طفيفًا!
{
يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.......} تعبير يكثر استخدامه في القرآن الكريم.
| المترجم | {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} |
1 | YUSUFALI | O ye who believe! |
2 | PICKTHAL | O ye who believe! |
3 | SHAKIR | O you who believe! |
اتفقوا تمامًا, والاختلاف الواضح لا يُذكر؛ لأنه اختلاف في استخدام صياغة الضمير, يصر الأول والثاني على استخدام الصيغة القديمة
Ye, في حين يصر الأخير على استخدام الصيغة العادية
You.
من هذا الاختبار يتبين أن إمكانيات الاتفاق مشجعة, وأن الحالة إيجابية, وتقارب المترجمين كبير, والمبشرات مطمئنة, والحالة ملحة, ويبقى حسمُ القرار في يد المؤسسات الإسلامية التي يجب أن تتحرك لتحسم هذه القضية, ويمكن أن تجرب بعض النماذج كمختبر تجريبي تمر به التجربة, لكن أن نظل هكذا, ففي هذا خطر عظيم يقترب من جريمة ترتكب في حق عالميةِ كتاب الله وتحُد من فهمه, لا سيما أن التصور الغربي العام للقرآن يشبه نظرتهم للأناجيل, ويعتقدون أن اختلافات المترجمين اختلافاتٌ في النص العربي نفسه, وليس قصورًا أو توسعًا أو توضيحًا في فهم المترجم.
عبدالرحمن أبو المجد
ALZAHRA