موضوع: لا يمل الله حتى تملوا الأربعاء 25 نوفمبر - 20:11:52
عن أنس بن مالك ( ) قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال "ما هذا الحبل؟ ". قالوا هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ، حلوه ، ليصل أحدكم نشاطه ،فإذا فتر فليقعد " أخرجه البخاري
وليس هذا بغريب على النبي الخاتم ..وذلك القائد الناجح محمد ( ) ..أن يهتم بكل صغيرة وكبيرة .. مما يخص شئون رعيته وأمور صحابته وحوارييه .
* فبينما هو يدخل المسجد ذات يوم .. إذ يرى حبلا ممدودا بين ساريتين من سواري المسجد على غير العادة .. فلم يمر عليه الأمر هكذا حتي سأل في اهتمام بالغ عن سبب امتداد الحبل بين الساريتين.
فأجابه بعض الصحابة ..إنه حبل أمرت به السيدة زينب بنت جحش أن يشد لها.. لأنها تحب أن تقف طويلا ً.. بين يدي الله في صلاة القيام فعند ذلك تتعلق به طمعا في ثواب ربها.. ورجاء رضاه ومحبته سبحانه وتعالى .. وهى كما تعلم حالها يا رسول الله " التقية ..الورعة ..الصوامة.. القوامة ".
* وكم كان رسول الله( ) يسر لما يراه في صحابته رجالاً ونساءً..من حبهم لقيام الليل .. ويفرح أيما فرح من طول قنوتهم وأزيز أصواتهم..وهم يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون .
ورغم ذلك أراد أن يصحح لهؤلاء الصحب الكرام ولجميع الأمة من بعدهم مفهوما ً خاطئا ً وسلوكا ًغير صحيح .
ذلك أنه ليس على المسلم المجتهد في العبادة أن يبالغ في ذلك في وقت فتوره وإعيائه..أو يشدد على نفسه وقتما يغلبه النعاس ، أو يصيبه التعب الشديد .. لماذا ؟.
* لأنه () جاء بالحنيفية السمحة التى لا حرج فيها .. ولا مشقة .
إن هذا الدين لم يأت أبدا ً لشقاء الإنسان أو تكليفه فوق طاقته .. كلا .. فقد قال سبحانه وتعالى " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ".
* ولم يأت للتعسير على بني البشر وقد قال سبحانه "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ".
ونفى أن يكون هذا الدين قد جاء بالحرج.. أو المشقة .. أو التضييق علي الناس .
* فقد قال تعالى : "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج .... " وقال تعالى أيضا ً " لا يكلف الله نفسا ً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ".
ولهذا جاءت القاعدة الذهبية التى تنادى بها ديننا الحنيف وهى "قاعدة رفع الحرج" التى ملأت سمع الزمان .
من أجل ذلك أمر النبي () صحابته أن يحلوا ذلك الحبل .. لأنه لا يطلب من الإنسان أن يحمل نفسه فوق ما تطيق.
وإنما يقوم بالعمل وقت نشاطه وقوته وحضور ذهنه.. فإذا تعب وشق عليه الأمر فليقعد ليريح نفسه..وإن غلبه النعاس نعس حتى يريح عقله وبدنه.. لأنه طالما استراح قام نشيطا ..ً فعاود عبادة ربه من جديد .. واجتهد في طاعة مولاه وهو حاضر الذهن .. قوى البدن .
* هذه هي رحمة الإسلام ، وهذه هي شفقة النبي( ) بأمته وصدق الله إذ يقول " فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب " .
أحبتي في الله .
* إن من وراء الأوامر والنواهي في هذا الدين الحنيف روحا ً.. وغاية .. ومقصدا ً.
* إذ أن الرب سبحانه وتعالى لا يتعامل مع العباد الذين يعبدونه ويتقربون إليه بالقطعة أو بمفهوم الإنتاجية بقدر ما يتعامل معهم بمقاصدهم في هذه العبادات..ونياتهم .. وهممهم في تلك القربات .
* فكم من عبد أتعب نفسه وأرهقها في ميادين الطاعات ثم خرج من ذلك كله صفر اليدين .. وذهبت أعماله سدى .. واختفت طاعاته .. وضاعت هباء منثورا ..ًعلى خلفيات خبث مقصده..أو فساد نيته .. أو إعجابا ً بطاعته .. أو رياء ً بعبادته .
* وإن هذا الذي يحب الله منه أن يطيل القنوت له يراوح بين أقدامه تاليا ً لآياته مسبحا ً بحمده ذاكرا ً لجلاله..شاكرا ً لفضله..خاشعا ً متبتلا .ً.يسكب في حبه سبحانه العبرات .. هو هو الذي يحب الله منه أن ينام إذا فتر ، أو يرقد ويستريح إذا استعجم لسانه بالقرآن.. أو الدعاء .
* لأنه ربما راح يدعو فيدعو على نفسه .. وبدلا من أن يقول : (اللهم اغفر لي ) .. ربما قال : (اللهم لا تغفر لي )
فالغاية القصوى والمقصد الأسمى من القربات أو الطاعات أن تحدث تلك الطاعات أنسا ً بين العبد وبين خالقه ومولاه .
ولا يحدث ذلك إلا بحضور قلب..ونشاط نفس..وانفعالات وجدان ..ولا يتأتى ذلك إلا في حالة نشاط الإنسان .. وانقطاعه عن كل الشواغل التى تحول بينه .. وبين من يناجيه سبحانه وتعالى .
* ولهذا قال ( ) : "ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد ".
كما أن هذا الحديث غاية في اهتمام رسول الله () بشئون رعيته .
* فلقد كان يتعاهدهم بنصيحته..ويتفقد أحوالهم.. ويرعى جميع أمورهم .. وما ترك مقاما ً يستدعى منه توجيها إلا وقام بالتوجيه والإرشاد لما فيه الخير في عاجلهم وآجلهم وكذلك كان معهم في غاية الشفقة وبالغ الرأفة والرحمة .
فما رأى في بعض صحابته شططا أو غلوا ً إلا وردهم إلى الحق المبين .. وأخذ بنواصيهم إلى الهدى والنور ووضع أقدامهم وثبتها على الصراط المستقيم يدلهم في ذلك ويرشدهم إلى الوسطية والاعتدال في كل شئ .. وهو يقول لهم بلسان حاله ولسانه فقال: " أما إني أصوم وافطر..وأقوم و أرقد..وأتزوج النساء ، هذه سنتي.. فمن رغب عن سنتي فليس منى " .
* بل ويعلمهم أن هذا الدين لا يبالغ في اهتمامه بالروح على حساب البدن أو أن يطغى حق البدن على حق الروح .. بل الروح والبدن كل متكامل في منظومة هذا الدين العظيم .. إذ لا بد أن يكون هناك توازن واعتدال بين الحقين معا ً .
فهو دين واقعي يرعى حق الإنسان من حيث هو إنسان - روح وبدن - ولهذا ذم طوائف راحت تذل البدن وترهقه وتهضم جميع حقوقه في سبيل تزكية الروح زوراً بهتانا فقال تعالى :"ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها " .
* وقال () " لا رهبانية في الإسلام "ونهى صلى الله عليه وسلم عن التبتل .. ومن أجل هذا أمر بحل ذلك وقال "ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد ".
* ثم إن هذا الحديث يدل دلالة واضحة على ما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم من صحابة رسول الله () ومن تبعهم بإحسان من الاجتهاد في العبادة ، والتفاني في كل ما يرضى الله تبارك وتعالى من ذكر له سبحانه وتلاوة لكتابه الكريم وقيام له بالليل .
* لقد كان هذا هو حالهم .. أكرم به من حال يحبه الله ويرضاه ، وأنعم بذلك من تجارة لن تبور لأنها مع الله سبحانه الجواد الكريم الذي يجزل العطاءات ويفيض بالرحمات والكرامات لأنه أهل للنعمة والفضل والعطايا والهبات تقدست أسماؤه وجل شأنه في الأرض والسماوات .
* ولم لا يكون هذا حالهم ، وهم الذين أحبوا الله من كل قلوبهم فاستوحشوا من كل شئ سواه سبحانه .. وراحوا يستأنسون به في هدأة الليل وسكنة الظلمات يقول قائلهم كما قال موسى () : "وعجلت إليك رب لترضى ".
ويقول الأخر مخاطبا ً ربه سبحانه :
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
علموا كما أخبرهم الصادق الأمين صلوات الله وتسليماته عليه " أن من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا ً إلا أعطاها إياه ".
* وأن الرب تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة في ثلث الليل الأخر .. نزولا ً يليق بجلاله سبحانه وتعالى فيقول :" أنا الملك .. أنا الملك .. من ذا الذي يدعوني فاستجيب له .. من ذا الذي يسألني فأعطيه .. من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ".
* فراحوا يطلبون من الكريم ما يحبون ، ويسألونه كل ما يرغبون ، وكان أسمى ما يطلبون وأعلى ما يسألون أن يرضى عنهم رضوانا لا يغضب بعده أبدا .ً
لم لا يكون هذا حالهم رجالاً ونساء ًً حتى تجتهد الواحدة منهن في أن تربط حبلا ً في ساريتين من سواري المسجد لتتعلق به إذا تعبت .
*فهي - وإن أخطأت في الاجتهاد وصوب لها رسول الله () خطأها - إلا أن ذلك يدل على مدى اجتهاد هؤلاء الصحب الكرام في عبادتهم وطول قيامهم بين يدي الله سبحانه وتعالى .
ولم لا يكون هذا هو حالهم وقدوتهم هو إمام المتقين وسيد المجتهدين وخير المجتهدين محمد () .. الذي كان يقوم من الليل فيقرأ ويبكى حتى تخضل لحيته وتبتل الأرض من تحت جبهته خشوعا ً وتبتلا ً وخشية لله .. يقوم ويطيل حتى تتفطر قدماه .
* اطلع الله على قلوبهم فعلم منها الصدق والإخلاص فاختارهم من بين الخلق لصحبته نبيه ونشر دينه واختصهم واختص من سار على دربهم إلى يوم القيامة ليكونوا خير أمة أخرجت للناس تنشر الحق والخير والعدل وتشيع الرحمة بين جميع الخلائق حتى استحقت هذه الأمة وصف الله لها في أعظم كتاب وجد على وجه الأرض فقال تعالى : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ".
* ومن هذا الحديث استدل بعض العلماء - منهم الإمام النووي رحمهم الله - على وجوب تغيير المنكر باليد لمن تمكن منه بضوابطه الشرعية .
* كذلك قالوا بجواز تنقل المرأة ـ وكذلك الرجل من باب أولى ـ في المسجد ، إذ أن السيدة زينب() كانت تصلى النافلة فيه .. فلم ينكر عليها رسول الله () .
* وكذلك يؤخذ من هذا الحديث : الحث على الاقتصاد في العبادة ، والنهى عن التعمق ، والأمر بالإقبال عليها في أوقات النشاط ، وأنه إذا فتر وتعب أثناءها فليقعد حتى يذهب عنه الفتور وقالوا "فليقعد" دليل على جواز الافتتاح بالصلاة قائما ً والقعود في أثناءها .
* وكذلك استدلوا به على كراهة التعلق بالحبل في الصلاة لتكلف طول القيام في النافلة .
والحمد لله والصلاه والسلام على المبعوث رحمه للعالمين
ابو عبد الرحمن مهدى
عدد الرسائل : 1068
موضوع: رد: لا يمل الله حتى تملوا الإثنين 29 مارس - 11:52:37
وأن الرب تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة في ثلث الليل الأخر .. نزولا ً يليق بجلاله سبحانه وتعالى فيقول :" أنا الملك .. أنا الملك .. من ذا الذي يدعوني فاستجيب له .. من ذا الذي يسألني فأعطيه .. من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ".