الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهل صدق فينا قول القائل: "نحن أمة نحارب في اللعب، ونلعب في الحرب"؟!
لقد تحولت مباراة لهو ولعب إلى حرب إعلامية بين مصر والجزائر، وأشعلت وراها نفوس خبيثة؛ عمدت إلى إثارة الضغينة بين المسلمين في البلدين الشقيقين، ولما حدثت أحداث عنف واعتداء على المصريين في الجزائر؛ بسبب شائعات قتل الجزائريين في مصر؛ ضج الإعلاميون بالتوسلات إلى المسئولين؛ لإنقاذ الأرواح والممتلكات فيا للعجب.. !!، ألم تشعلوها حربًا ثم تبكوا بعد ذلك؟!
فنفسك لـُم ولا تلم المطايا *** ومت كمدًا فليس لك اعتذار
ونحن نناشد المسلمين في مصر والجزائر بأن يتقوا الله -تعالى-؛ فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة البلد الحرام، والشهر الحرام، بل أشد؛ قال الله -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [سورة الحجرات: 10].
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا. وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ. كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» [رواه مسلم].
أوقفوا المهزلة...
نحن نعيب على الكفار في الجاهلية حروبهم من أجل أسباب واهية: كحرب "داحس" و"الغبراء"، وهما فرسان لقبيلتي: "عبس" و"ذبيان"، قامت الحرب بينهما مدة أربعين عامًا؛ بسبب سباق بين الفرسين، وها نحن نفعل أفعال الجاهليين فنتعصب ونتباغض، ونتدابر، وقد نتحارب لأجل ماذا؟ لأجل كرة تركل بالأقدام. عجبًا.. !.
أين ذوي العقول؟!.
لم نسمع قولاً يوقف هذه المباريات التي تتسبب في الكراهية الشديدة بين المسلمين.. !!
دولة "الفيفا":
يبدو أن الاتحاد العالمي لكرة القدم أصبح دولة داخل كل دولة؛ فهو يفرض أوامره وتوصياته على الجميع!!
فوائد شرعية متعلقة بالرياضة:
1- ممارسة الرياضة شيء، ومشاهدة الرياضة شيء آخر.
2- أن يمارس المسلم لعبة رياضية بغرض تقوية البدن، والاستعداد للجهاد في سبيل الله -تعالى- فهذا شيء محمود بشرط وجود الضوابط الشرعية (راجع كتاب ضوابط شرعية للألعاب الرياضية) لفضيلة الشيخ سعيد عبد العظيم.
3- لا يجوز إقامة مسابقات بها جوائز مادية على لعب إلا ما استثناه النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يخدم الجهاد؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ سَبْقَ إِلاَّ فِي خُفٍّ أَوْ فِي حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ» [رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني]؛ فلا يجوز إعطاء جُعل، أو هدية على أي مسابقة إلا ما كان من: الرمي بالسهم، أو سباق الخيل، أو الإبل، وعلى هذا فلا يجوز إقامة مسابقات على كرة القدم: كـ"الدوري"، و"الكأس"، أو "كأس العالم".
4- مشاهدة المباريات، وإن اختلف في حكمها العلماء "نظريًا" بين الحرمة والإباحة مع الضوابط -"كعدم النظر للعورة - أو عدم إضاعة الصلاة - عدم التعصب.... "- فإنها عمليًا لا تخلو من منكرات.
خطر الدور الإعلامي:
الإعلام لا يرصد الرأي العام، بل الإعلام يصنع الرأي العام؛ وهذه قضية خطيرة: أن توجيه عوام الناس إلى رأي معين، وشحنهم عليه، وإثارة الشائعات؛ جريمة أخلاقية في الدنيا، ووبال يوم القيامة؛ فقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في رحلة المعراج رجلاً يقطع شدقيه؛ قيل عنه للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ...» [رواه البخاري].
وحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من النميمة والقالة، والوقيعة بين الناس حيث رأي أصحابها يخمشون جلودهم بأظفار من نحاس؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: «لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ: "مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ؟". قَالَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ» [رواه أبو داود، وصححه الألباني].
فاتقوا الله في أنفسكم وفي المسلمين.
دور العلماء والدعاة:
ينبغي على العلماء والدعاة الصدع بالحق في كل القضايا التي تهم المسلمين، لا سيما التي تمس العقيدة الإسلامية؛ فإن الحب في الله، والبغض في الله أوثق عرى الإيمان؛ بينما هذه الألعاب تورث البغضاء بين المسلمين، وتهدم عقيدة الولاء والبراء على الإسلام، وتجعلها على القومية والوطنية، وتشغل المسلمين عن قضاياهم الأساسية من الجهاد في سبيل الله -عز وجل-؛ لتحرير القدس، والشيشان، وغيرهما، أو العمل لنصرة، وتطبيق الشريعة.
فمن يشاهد الجموع الغفيرة التي خرجت بعد المباراة، وتعطيلها للطرق، والمصالح العامة، والاختلاط بين الرجال والنساء، والرقص والغناء بدون أي نكير من أحد؛ يعلم خطر هذا الأمر، وليست القضية مجرد تعبير عن فرحة، ولكن الأمر هو جزء من سياسة إلهاء الشعوب.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، وينصح ويرشد فيه أهل المعاصي، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
م
ALZAHRA