(ردٌ على كتاب: النقاب عادة وليس عبادة)
قال الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء: 65].
وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} [الأحزاب: 36].
تقديم:
الحمدلله.. فهذا ردٌ على كتاب (النقاب عادة وليس عبادة) الذي أعده الأستاذ الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري، وقد نقلت من أقوال العلماء والمفسرين ما أظنه يكفي للرد، ثم علقت على بعض أمور بالكتاب المذكور، فالحمدلله الذي وفقني في هذا وأسأله سبحانه أن ينفع به.
سندس مجدي
12 ربيع أول 1430
9 مارس 2009
أقوال العلماء في مسألة تغطية وجه المرأة
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
جاء في (تفسير الجلالين) في قوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}: "وهو الوجه والكفان فيجوز نظره لأجنبي إن لم يخف فتنة في أحد وجهين والثاني يحرم لأنه مظنة الفتنة ورجح حسما للباب". اهـ.
وجاء في (تفسير السعدي)": {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} كالثياب الجميلة والحلي، وجميع البدن كله من الزينة، ولما كانت الثياب الظاهرة، لا بد لها منها، قال: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أي: الثياب الظاهرة، التي جرت العادة بلبسها إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} وهذا لكمال الاستتار، ويدل ذلك على أن الزينة التي يحرم إبداؤها، يدخل فيها جميع البدن، كما ذكرنا". اهـ.
وفي (صفوة التفاسير) يذكر الشيخ محمد علي الصابوني – الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز – في تفسيره للآية الحادية والثلاثين من سورة النور ما يلي: "{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أي ولا يكشفن زينتهن للأجانب إلا ما ظهر منها بدون قصد ولا نية سيئة، قال ابن كثير: أي لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه، كما قال ابن مسعود: الزينة زينتان: فزينة لا يراها إلا الزوج: الخاتم والسوار، وزينة يراها الأجانب وهي الظاهر من الثياب، وقيل المراد به الوجه والكفان فإنهما ليسا بعورة، قال البيضاوي: والأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر، فإن بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة". اهـ.
وفي تفسير البغوي المسمى (معالم التنزيل) يذكر الإمام البغوي قوله: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} يعني لا يظهرن زينتهن لغير محرم، وأراد بها الزينة الخفية، وهما زينتان خفية وظاهرة، فالخفية مثل الخلخال والخضاب في الرجل والسِوار في المِعصَم والقرط والقلائد، فلا يجوز لها إظهارها، ولا للأجنبي النظر إليها، والمراد من الزينة موضع الزينة. قوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أراد به الزينة الظاهرة ، واختلف أهل العلم في هذه الزينة الظاهرة التي استثناها الله تعالى، قال سعيد بن جبير والضحاك والأوزاعي: هو الوجه والكفان، وقال ابن مسعود: هي الثياب بدليل قوله تعالى: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31]، وأراد بها الثياب، وقال الحسن: الوجه والثياب، وقال ابن عباس: الكحل والخاتم والخضاب في الكف، فما كان من الزينة الظاهرة جاز للرجل الأجنبي النظر إليه إذا لم يخف فتنة وشهوة، فإن خاف شيئا منها غض بصره، وإنما رُخِّص في هذا القدر أن تبديه المرأة من بدنها لأنه ليس بعورة، وتؤمر بكشفه في الصلاة، وسائر بدنها عورة يلزمها ستره". اهـ.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الأحزاب: 59].
جاء في (تفسير الجلالين): 59 – {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} جمع جلباب وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عينا واحدة {ذَلِكَ أَدْنَى} أقرب إلى {أَن يُعْرَفْنَ} بأنهن حرائر {فَلَا يُؤْذَيْنَ} بالتعرض لهن بخلاف الإماء فلا يغطين وجوههن فكان المنافقون يتعرضون لهن {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً} لما سلف منهن لترك الستر {رَحِيماً} بهن إذ سترهن. اهـ.
وجاء في (تفسير السعدي): "هذه الآية، التي تسمى آية الحجاب، فأمر اللّه نبيه، أن يأمر النساء عمومًا، ويبدأ بزوجاته وبناته، لأنهن آكد من غيرهن، ولأن الآمر [لغيره] ينبغي أن يبدأ بأهله، قبل غيرهم كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} أن {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} وهن اللاتي يكن فوق الثياب من ملحفة وخمار ورداء ونحوه، أي: يغطين بها، وجوههن وصدورهن.
ثم ذكر حكمة ذلك، فقال: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} دل على وجود أذية، إن لم يحتجبن، وذلك، لأنهن إذا لم يحتجبن، ربما ظن أنهن غير عفيفات، فيتعرض لهن من في قلبه مرض، فيؤذيهن، وربما استهين بهن، وظن أنهن إماء، فتهاون بهن من يريد الشر. فالاحتجاب حاسم لمطامع الطامعين فيهن.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} حيث غفر لكم ما سلف، ورحمكم، بأن بين لكم الأحكام، وأوضح الحلال والحرام، فهذا سد للباب من جهتهن. اهـ.
وفي (صفوة التفاسير) يقول: "{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} أي قل يا محمد لزوجاتك الطاهرات – أمهات المؤمنين – وبناتك الفضليات الكريمات، وسائر نساء المؤمنين، قل لهن يلبسن الجلباب الواسع، الذي يستر محاسنهن وزينتهن، ويدفع عنهن ألسنة السوء، ويميزهن عن صفات نساء الجاهلية، روى الطبري: عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة، وروى ابن كثير عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى، {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} أي ذلك التستر أقرب بأن يعرفن بالعفة والتستر والصيانة، فلا يطمع فيهن أهل السوء والفساد، وقيل: أقرب بأن يعرفن أنهن حرائر ويتميزن عن الإماء". اهـ.
ثم كتب الشيخ تحت عنوان (الرد على من أباح كشف الوجه، وطائفة من أقوال المفسرين في وجوب ستره) ما يلي:
1. قال ابن كثير: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن لحاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب".
2. وقال ابن الجوزي: "في قوله تعالى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} أي يغطين رءوسهن ووجوههن ليعلم أنهن حرائر".
3. وقال أبو السعود: "ومعنى الآية أن يغطين بها وجوههن وأبدانهن إذا برزن لداعية من الدواعي".
4. وقال الطبري: "أي لا تتشبهن بالإماء في لباسهن إذا خرجن لحاجتهن فكشفن شعورهن ووجوههن؛ لئلا يتعرض لهن فاسق".
5. وقال في البحر: "والمراد بقوله {عَلَيْهِنَّ} أي على وجوههن، لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه".
6. وقال الجصاص: "وفي الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجانب لئلا يطمع فيها أهل الريب". اهـ.
وفي (معالم التنزيل) يذكر الإمام البغوي في هذه الآية: " {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}، جمع الجلباب وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار ، وقال ابن عباس وأبوعبيدة: أمر نساء المؤمنين أن يغطين رءوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم أنهن حرائر". اهـ.
ويقول الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي في (التفسير الوسيط للقرآن الكريم) تفسيرا لهذه الآية: "والجلابيب جمع جلباب، وهو ثوب يستر جميع البدن تلبسه المرأة فوق ثيابها. والمعنى: يا أيها النبي قل لأزواجك اللائي في عصمتك، وقل لبناتك اللائي هن من نسلك، وقل لنساء المؤمنين كافة، قل لهن: إذا ما خرجن لقضاء حاجتهن، فعليهن أن يسدلن الجلابيب عليهن، حتى يسترن أجسامهن سترا تاما، من رءوسهن إلى أقدامهن، زيادة في التستر والاحتشام، وبعدا عن مكان التهمة والريبة. قالت أم سلمة – رضي الله عنها - :لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأنّ على رءوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها". اهـ.
وفي كتاب (حجاب المرأة المسلمة) يقول العلامة الألباني بعد أن أورد آراء لبعض العلماء في مسألة تغطية الوجه ورجح أنه ليس بعورة وذكر أدلته على ذلك ، كتب تحت عنوان (مشروعية ستر الوجه) ما يلي:
هذا، ثم إن كثيرا من المشايخ اليوم يذهبون إلى أن وجه المرأة عورة لا يجوز لها كشفه بل يحرم، وفيما تقدم في هذا البحث كفاية في الرد عليهم، ويقابل هؤلاء طائفة أخرى يرون أن ستره بدعة وتنطع في الدين! فإلى هؤلاء نسوق الكلمة التالية:
ليعلم أن ستر الوجه والكفين له أصل في السنة، وقد كان ذلك معهودا في زمانه صلى الله على وسلم كما يشير إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين» [البخاري 4/42].
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (تفسير سورة النور) ص56: "وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن. انتهى كلام ابن تيمية.
والنصوص متضافرة – والكلام للألباني - على أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يحتجبن حتى في وجوههن، وإليك بعض الأحاديث التي تؤيد ما نقول:*(ذكر الألباني عدة أحاديث اكتفيت منها باثنين)
1- عن عائشة قالت: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات ، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه.
2- عن أسماء بنت أبي بكر قالت: " كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام".
ثم قال الألباني بعد أن ذكر الأحاديث:
ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على أن حجاب الوجه كان معروفا في عهده صلى الله عليه وسلم، وأن نساءه كن يفعلن ذلك ، وقد استن بهن فضليات النساء من بعدهن:
عن عاصم الأحول قال: "كنا ندخل على حفصة بنت سيرين (1) وقد جعلت الجلباب هكذا، وتنقبت به، فنقول لها: رحمك الله قال الله تعالى {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}، قال: "فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟"، فنقول: " {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ} "، فتقول: هو إثبات الحجاب"(2).
ويعلق الألباني قائلا: "فيستفاد مما ذكرنا أن ستر المرأة لوجهها ببرقع أو نحوه مما هو معروف اليوم عند النساء المحصنات أمر مشروع محمود، وإن كان لا يجب ذلك عليها، بل من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج". اهـ
وفي (رسالة الحجاب) يسوق فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – عددا من الأدلة على وجوب ستر وجه المرأة ومنها بعض ما ذكرت من تفسير الآيات الكريمة ، ثم قام بالرد على القائلين بجواز كشف الوجه ، وكان مما قال ما يلي: "إننا إذا تأملنا أدلة جواز كشفه وجدناها لا تكافئ أدلة المنع. ويتضح ذلك بالجواب عن كل واحد منها بما يلي3) عن تفسير ابن عباس ثلاثة وجوه:
أحدها: محتمل أن يكون مراده أول الأمرين قبل نزول آية الحجاب كما ذكره شيخ الإسلام ، ونقلنا كلامه آنفا".
ـــــــــ
1.هي أم هذيل الأنصارية البصرية ، وهي تابعية فاضلة،قرأت القرآن وهي ابنة اثنتي عشرة سنة،وماتت وهي ابنة سبعين،قال إياس بن معاوية:ما أدركت أحدا أفضل من حفصة. ماتت سنة 101.
2. اكتفيت بواحد من المثالين اللذين ذكرهما الشيخ.
3. اكتفيت برد واحد ومن أراد الاستزادة فليقرأ (رسالة الحجاب) الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
الثاني: يحتمل أن مراده الزينة التي نهى عن إبدائها كما ذكره ابن كثير في تفسيره ، ويؤيد هذين الاحتمالين تفسيره رضي الله عنه لقوله تعالى: : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}، كما سبق في الدليل الثالث من أدلة القرآن.
الثالث: إذا لم نسلم أن مراده أحد هذين الاحتمالين فإن تفسيره لا يكون حُجَّة يجب قبولها إلا إذا لم يعارضه صحابي آخر، فإذا عارضه صحابي آخر أخذ بما ترجحه الأدلة الأخرى ، وابن عباس رضي الله عنه قد قد عارض تفسيره ابن مسعود رضي الله عنه حيث فسر قوله: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالرداء والثياب وما لابد من ظهوره. فوجب طلب الترجيح والعمل بما كان راجحا في تفسيرهما. اهـ.
تعقيب:
وأقول – مستعينة بالله – هذه هي أدلة مشروعية كشف الوجه وهذه آراء العلماء بين موجب للتغطية وبين مجيز مستحسن لها، فكيف يدعي وزير الأوقاف أنه لا يوجد دليل واحد في القرآن أو في السنة أو في العقول السليمة يؤيد تغطية وجه المرأة! ويزعم أن النقاب عادة وليس عبادة!
ثم إن حديث الفضل بن العباس والمرأة الخثعمية التي كان ينظر إليها ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، حيث يستدل به القائل بأن المرأة كانت كاشفة الوجه ولم ينهها النبي صلى الله عليه وسلم، والحاصل أن هذا كان في الحج والمرأة كانت محرمة والمحرمة لا يلزمها تغطية الوجه كما هو معلوم من أن للمحرم أحكام خاصة.
كذلك حديث المرأة سفعاء الخدين التي قامت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وعظ النساء وأمرهن بالصدقة، فقد جاء في الحديث أنها من سطة النساء وفي رواية من سافلة النساء وفي رواية أخرى ليست من علية القوم، وكل ذلك يدل على أنها كانت من الإماء ، والإماء لا يلزمهن ما يلزم الحرائر.
وعلى الصفحتين الثالثة عشر والرابعة عشر من الكتاب يذكر الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر طائفة من أقوال أهل العلم التي تفيد بأن وجه المرأة ليس بعورة، ويذكر أنه يميل إلى هذا الرأي، ثم يقول بأن النقاب عادة ولا صلة له بالعبادة كأنه استنتاج من الآراء المذكورة، غير أن أيا منها لا يفيد أكثر من جواز كشف الوجه ، ولم ينكر أي من العلماء –الذين ذكرهم- تغطية الوجه، بالإضافة إلى مناقضة هذا الكلام لكلامه في تفسير الآية 59 من سورة الأحزاب في التفسير الوسيط!
وعلى الصفحة الحادية والعشرين من الكتاب البحث الصادر عن دار الإفتاء المصرية في مسألة النقاب، وأجد فيه ما يلي: "ويرى بعض الفقهاء أن كل شئ من المرأة عورة بالنسبة للأجنبي عنها حتى ظفرها، ورُوي عن الإمام أحمد أنه قال: "إن من تَبِينُ زوجتُه منه لا يجوز أن يأكل معها"؛ لأنه مع الأكل يرى كفها"، فهذا من داخل الكتاب نفسه مما أورد وزير الأوقاف!!
وعلى الصفحة السابعة والعشرين: وفصل زروق في شرح الوغليسية بين الجميلة فيجب، وغيرها فيستحب. هذا أيضا من داخل الكتاب!!
ويقول وزير الأوقاف على الصفحة السابعة والثلاثين: "يقول البعض: لا بأس أن تضع المرأة نقابا على وجهها اقتداء بنساء الرسول صلى الله عليه وسلم".
ثم يقول: "لا بأس أيضا من تحريم الزواج على المرأة إذا مات زوجها امتدادا لهذه الأسوة". اهـ.
وأنا أتعجب حقا من هذا المنطق!، وأقول أن الأصل أنهن الأسوة والقدوة كما أن الأصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأسوة والقدوة، ولا يمكن قياس هذا على ذاك ، وإلا فقل لي أي التوجيهات التي وردت لنساء النبي صلى الله عليه وسلم لا تطالَب بها المسلماتُ عامة؟ قال الله تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً . وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، فهل بهذا المنطق نقول هذا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يحل لغيرهن الخضوع بالقول والتبرج وترك الصلاة ومنع الزكاة ومعصية الله ورسوله!!، أستغفر الله من أن يكون هذا.
وعلى الصفحة الخامسة والخمسين من الكتاب أجد الاستدلال بالآية الكريمة {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} هل من الممكن رد حكم شرعي لأننا نرى بعقولنا القاصرة أن فيه حرج؟، من الذي يحدد ويقرر؟، أليس هو الله جل وعلا الذي يعلم من خلق؟، ثم إن تغطية الوجه مسألة خلافية بين الفقهاء ما بين الوجوب والاستحباب، وهو ما يعطي سعة في الأمر، ولكن لا ينفي المشروعية، فالذي ينفي مشروعية تغطية الوجه إنما يُئوِّل كلام العلماء ويستغل جهل العامة.
وعلى الصفحة السادسة والخمسين والسابعة والخمسين يتحدث عن كون تغطية الوجه مشقة على المرأة، ويذكر حديث أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها: "ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه سلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما." ولم يذكر تكملة الحديث وهي".. ما لم يكن إثما".
وختاما أقول.. أليس من الأجدر أن يكون الخطاب للمتبرجة التي لا تلتزم أمر الله بعدم ارتدائها الحجاب الشرعي الذي لا خلاف فيه بين العلماء؟ سبحان الله.. أنترك العاصية التي تفعل ما من شأنه إفساد المجتمع ونتوجه بالكلام لمن لا تبدي شيئا منها، حقا أتعجب!!
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
اللهم آمين.
ـــــــــــــــــــــ
المراجع
1. التفسير الوسيط للقرآن الكريم ، ا.د./ محمد سيد طنطاوي ، دار السعادة ، المجلد الحادي عشر.
2. تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل، الإمام أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي المتوفى سنة 516، بيروت، لبنان، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1414 – 1993، الجزء الثالث.
3. تفسير الجلالين، بيروت، لبنان، دار المعرفة للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1404- 1984.
4. تفسير السعدي، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله المعروف بابن سعدي.
5. حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة، محمد ناصر الدين الألباني، القاهرة، دار الاعتصام، توزيع دار الجهاد، الطبعة الخامسة، 1398هـ.
6. رسالة الحجاب، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، دار الاتباع.
7. صفوة التفاسير، الشيخ محمد علي الصابوني (الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز- مكة المكرمة)، دار الصابوني، الطبعة التاسعة، المجلد الثاني.
8. فضل أم فرض، محاضرة لفضيلة الشيخ مصطفى العدوي.