بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد ..
فهذه ترجمة لفضيلة الشيخ الدكتور ياسر برهامي - حفظه الله وبارك فيه-.
نقلتها ليعم النفع .. فأسأل الله العظيم بأن يتقبل منا صالح الأعمال وأن يجعل هذا العمل خالصا ً لوجهه وأن يكتب لنا القبول ....
قال فضيلة الشيخ سيد بن حسين العفاني حفظه الله في كتابه ( زهر البساتين من مواقف العلماء والربانيين ) بعد ترجمة عاطرة لبعض فضائل الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم قال :
المدرسة السلفية بالأسكندرية وأثرها المبارك في مصر
أقولها خالصةً لوجه الله عز وجل ، لو أتيح لشيوخها فرصة الانتشار بمصر لصبغوا مصر كلها بالصبغة السلفية ، ولَتَخرّج على أيديهم كوادر علمية على درجة عالية من الكفاءة تسد ثغراً من ثغور الدعوة إلى الله .
ثم قال عن الشيخ ياسر -حفظه الله-
وشقيق الروح مربي الرجال الداعية الفذ فضيلة الشيخ الدكتور ياسر برهامي الذي وضع الله له القبول في أوساط الشباب وتخرج على يديه كوادر من المدرسين الذين أحاطوا بدقائق عقيدة السلف .. ولله ما أحلى غرسه فيهم .. وهذا من عاجل الجزاء له وعاجل البشرى للمؤمن .. ويشكر له جهده وعلو همته العجيبة في الدعوة إلى الله عز وجل .
وأُشهِدُ الله أنه من الرجال الذين تعرفهم في وقت المحن والشدائد فتحبهم ، وتحب فيه سعة أفقه ، وصبره على العبادة ، ولين جانبه ، ويشكر له دفاعه العظيم عن عقيدة السلف ، وتحريره لمسائلها العلمية .
سيبدو لكم في مَضْمَرِ القلبِ والحشا
سيرةُ حبٍ يـومَ تبـدو السرائـرُ
ترجمته من موقع طريق الإسلام
سيرة الشيخ ومعلومات عن حياته :
ولد الشيخ حفظة الله في محافظة الإسكندرية في 25 صفر 1378 هـ الموافق 9/9/1958م.
حصل على بكالوريوس الطب والجراحة في عام 1982م كما حصل ماجستير طب الأطفال عام 1992م من جامعة الإسكندرية.
حصل على ليسانس الشريعة الإسلامية عام 1999م من جامعة الأزهر.
بدء العمل الدعوي وطلب العلم في المرحلة الثانوية.
شارك الشيخ في العديد من المجالات الدعوية بداية من تأسيس معهد إعداد الدعاة للمدرسة السلفية بالإسكندرية والتدريس فيه، حيث قام بتدريس مادتي التوحيد وأصول الدعوة إلى حين إيقافه سنة 1994م وللشيخ مؤلفات عديدة مسموعة ومقروءة .
أول كتاب له هو كتاب فضل الغني الحميد عام 1980م، درّس هذا الكتاب في أول ملتقى بشاب الدعوة السلفية عام 1981م وبعده كتابي منة الرحمن وكتاب لا إله إلا الله كلمة النجاة وكتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وكتاب تأملات في سوره يوسف وكتاب قراءة نقدية لبعض ما ورد في كتاب ظاهرة الإرجاء و الرد عليها وكتاب فقه الخلاف.
وقام بالتعليق على العديد من الكتب مثل شرح كشف الشبهات وكتاب أقوال الفعال واعتقادات خاطئة.
أيضا قام بالمشاركة في كتابة مقالات مجلة صوت الدعوة إلى حين إيقافها سنة 1994م.
يقوم الشيخ بشرح كتاب صحيح مسلم بشرح النووي وكتاب فتح الباري وتفسير ابن كثير وكتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية وكتاب شفاء العليل وكتاب إعلام الموقعين لابن القيم وكتاب العقيدة الوسطية.
كما أن للشيخ مجوعات علمية صوتية كاملة مثل قضايا الإيمان والكفر وفقه الخلاف ومشروعية العمل الجماعي والرد على كتاب الإرجاء والعقيدة في الصحابة و شرح منة الرحمن وشرح فتح المجيد و شرح معارج القبول وغيرها الكثير .
قال عنه الشيخ رضا صمدي في
الإشهار لما عند علماء السنة ودعاتها في مصر من مآثر وأخبار:
فضيلة الشيخ ياسر برهامي
أبدأ بقول الفرزق حين امتدح زين العابدين رضي الله عنه
ردا على قول هشام بن عبد الملك في حقه : من هذا ؟
وليس قولك من هذا بضائره .... العرب تعرف من أنكرت والعجم
هو الشيخ العلم الأشم الداعية المجاهد المربي القدوة الرباني المتفنن السمح الخلوق البسام الطبيب .. شيخنا ياسر برهامي السكندري المصري ... حفظه الله وسدده وأعلى درجته في الدراين ...
نشأة في بيت فضل وخلق وعلم .. فأخوته كثير منهم أطباء ، وابتدأهو حياته بتنسك وعلم ... وكان ذلك مع كوكبة الدعاة الذي أنشأوا الدعوة السلفية في الثغر المصري في الإسكندرية ، ومدوا ظل المدرسة الحديثية من أيام السلفي ( بكسر السين وفتح اللام ) فأقاموا دعوة سلفية شامخة راسخة لم تقتعلها أي فتنة ولم تحبطها أي عاصفة ...
كوكبة الدعاة الشباب في سبعينات القرن المنصرم أمثال الشيخ العلامة القدوة محمد بن إسماعيل والشيخ الزاهد العلامة أحمد فريد والشيخ العلامة القدوة سعيد عبد العظيم ، والشيخ العلامة القدوة أحمد حطيبة وغيرهم ممن حملوا مشعل الدعوة السلفية في تلك الفترة الحالكة من تاريخ مصر ...
تخرج في كلية الطب ، وفيها وعلى يديه ويد الأطباء محمد إسماعيل وأحمد فريد نشأت الدعوة السلفية .. وأثناء وجودهم في الكلية نشرت الرسائل السلفية وانتشرت محاضراتهم وخطبهم حتى صار الثغر السكندري علما على المدرسة السلفية ...
تخصص الشيخ ياسر برهامي في الاعتقاد ، فقرأ وحصل ، وجمع فأوعى ، ودرس كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وخاصة كتاب التوحيد غير مرة ، وكذلك كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، أما قراءاته فأنا أخبركم بها لأنني ذاكرته ... فهو المتفنن المتبحر في كتب المعتقد وخاصة كتب السلف وأئمة السلف وخاصة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، فهو الخبير بها والمتخصص في مجالاتها وكذلك كتب الأصول والفقه وشروح الحديث وله فيها يد طولى ...
وأشهد أنني ذاكرته مرات في مسائل في الفقه والحديث والأصول فوجدته متفننا فيها ، ولكنني لم أستطع أن أجاريه في المعقتد واصول الدين ... فقد تبحر حتى في عقائد المخالفين حفظه الله وسدده ..
أما شيوخه فهم قلائل ولا استحضر منهم أحدا الآن ... ولا يضره أن يجهل الناس مشايخه ، كما الشيخ الألباني وغيره ... فإسناد الرجل موصول إلى السلف بموصولات أسطع من الشمس .. ومن قرأ كتبه عرف حقيقة كلامي ..
متوسط القامة .. أبيض البشرة مع ميل لسمرة ... لحيته كثة لا يأخذ منها ... ما رأيته متجهما قط .. فالبسمة لا تفارق شفته ، وفي أحلك الظروف كنت أراه مستبشرا هانئا مقبلا على الله بالذكر ...
من جالسه عرف عمق علاقته بربه ، فهو عميق الإيمان والثقة واليقين بربه ، لا تهزه الخطوب .. ولا تؤثر فيه المحن والفتن ، وقد عصفت فتن زلزلت بكثير من الشيوخ والدعاة فكنا نراه دون غيره ثابت الخطا واثقها ...
له دروس كثيرة في العقيدة والتفسير والحديث والأصول وخاصة في مسجده القريب من بيته .. فله كل يوم درس أو درسين لخاصة طلبة العلم في مسجده ، هذا عدا محاضراته العامة في كل أصقاع القطر المصري ...
أدعو المنصف لقراءة كتابه فضل الغني الحميد في شرح كتاب التوحيد وهو ليس شرحا ولكنه أقرب ما يكون للحاشية ،ولكنها حوت دررا تدل على تبحر الشيخ في علم الاعتقاد ..وأدعوه لقراءة فقه الخلاف بين المسلمين ، فقد أتى على المسائل العظام فشرحها ووفاها نصيبها من البيان حتى انحلت العقد وتبسطت كثير من المشكلات ...
وأشهد الله أنني وجدت عنده من حل المعضلات ما لم أجد في كثير من الأسفار العظيمة مما يدل على ربانية علم هذا العالم وفقه الله ..
لست من خواص طلبته ، ولكنني عاصرته وعاملته عن بعد وكثب ، عاصرته في السفر والحضر ، وفي المنشط والمكره فودته نعم العالم العامل ..
ليس عالما في محراب علمه فحسب ، بل داعية ميداني متحرك ، أنشأ حركة دعوية ( مع أقرانه من دعاة الإسكندرية ) حتى غدا الثغر السكندري قبلة السلفيين في مصر حتى الآن وفي عصره وعصر زملائه الدعاة كانت الدعوة السلفية في الثغر السكندري تسيطر على مائتي مسجد في الخطابة والدروس والدعوة ... بل كان الثغر السكندري يصدر الدعاة وطلبة العلم لإفادة المحافظات الأخرى من الشمال إلى الجنوب .. هذا يعرفه القاصي والداني في مصر ..
ومثلي ليس هو الذي يعدله ويعرفه ، فهو أشهر مني وأفضل وأعلم وأعلى وأكبر سنا وأفخم مقاما ... ولكن إن شئت أن تساويه في الفضل فوازنه بالشيخ الأجل محمد بن إسماعيل المقدم ، وهو مشهور لدى علماء الحرمين .. أو قارنه
بالشيخ سيد العفاني وهو معروف عند كثير من طلبة العلم في بلاد الحرمين ، وإن كان الشيخ ياسر أعلم في العقيدة ، والشيخ سيد أعلم في باب الرقائق والزهد ...
بارك الله في جميع من انتسب للسنة وانتصر لها وذب عنها ودعا إليها وضحى في سبيل وأوذي فصبر وربى ونشأ الأجيال ...
الشيخ ياسر برهامي ... مهندس الدعوة السلفية والدينامو الحقيقي لبرنامجها الدعوي ...
يعرف شباب الجامعات كثيرا من رموز السلفية في مصر ، ولكن القيادات الشابة الرائدة فقط هي التي تعرف دور الشيخ الأجل الشيخ ياسر برهامي في هندسة العمل الدعوي في الجامعات ...
طاقة متجددة ... وأفكار وثابة ... ويقين يوازي الجبال الرواسي ، وهمة تناطح نجوم السماء ...
معسكرات الجامعة كان الشيخ ياسر هو المحرك الرئيسي لها ، ولا ننكر دور المشايخ ولكن الشيخ ياسر يكون هو الحاضر الغائب فيها : يتابع صغير المسائل وكبيرها ، جليلها ودقيقها ، يربي الأجيال وينشيء الكوادر ، وهو في خلال ذلك كله الأنموذج ... رأيناه يبجل من هو اقل منه قدرا وعلما لا لشيء إلا لأن من يحترمه الشيخ ياسر هو الأمير والقائد ، فربى في نفوس الشباب معنى السمع والطاعة للقائد واحترام ولي الأمر في صورتها الحقيقية التي هي أنموذج
للخلافة المرتقبة ...
رأيناه يعمل في عيادته من الصباح حتى الظهيرة ، وبعد صلاة الظهر يلقي درسا قصيرا ، ثم
يرجع إلى البيت ليتابع المشاكلالدعوية التي تتوافد إلى بيته وبعد صلاة العصر يلقي درسا قصيرا ثم يرجع إلى البيتليستعد لدروس ومحاضرات المساء التي عمرت بها مدينة الثغر ، حتى غدت لياليالإسكندرية لسلفيي مصر مثابة لهم وأمنا ، فكان يشد الرحال لسماع الدروس فيها ،وخاصة دروس الشيخ الأجل العلم العلامة الشيخ محمد بن إسماعيل ... وكنا نرى الشيخياسر وكثيرا من مشايخ الثغر يجلسون تحت قدم الشيخ محمد إسماعيل قدوة لطلبة العلم فيالتواضع وخفض الجناح ..
كلما أوغلت في الكتابة أشعر بالتقصير في حق هذاالرجل ، لم يطل لقائي به ولا تلقي عنه بل كانت كسحابة صيف ، ولكنني تعلمت منهالكثير ، ولطالما تمثلت ابتسامة هذا الرجل في الظروف الحالكة فكانت وقودا يغذيالعزيمة الخاملة .. فجزاه الله عني وعن شباب الإسلام خير الجزاءلا أدريماهي أحوال الشيخ الآن ؛ فقد أوذي واعتقل وسجن وعذب في ذات الله فصبر ، ولعله الآنمحاصر ممنوع من الخطابة والدروس .. فمن كان يلتقيه فليتحفنا بأخباره ويبلغه سلامنا، وليقل له : (( سامحنا على التقصير يا شيخ ياسر ))
----------------------------------------------------------------------------------------
و هذا حوار مع الشيخ يتكلم فيه عن قصة حياته و نشأته العلمية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ثم أما بعد،
صوت السلف: في أول حوار في موقعنا يسرنا ويسعدنا أن يكون ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور ياسر برهامي، والشيخ ياسر ضيفنا في هذا الحوار نهنئه بافتتاح موقعه، ونستطلع منه بعضاً من خلفيات شخصيته ودعوته ومنهجه الذي يتميز به، وتتميز به الدعوة السلفية في الإسكندرية.
بداية نرحب بك شيخنا الفاضل ونهنئك بالموقع، وندعو الله عز وجل أن يجعله في ميزان حسناتك يوم القيامة.
- الشيخ: جزاكم الله خيراً الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
صوت السلف: في بداية اللقاء نود أن نتعرف على بياناتكم الشخصية.
الشيخ: الاسم/ ياسر حسين محمود برهامي حشيش
تاريخ الميلاد/ 25من صفر سنة 1378هـ - الموافق 9 من سبتمبر 1958 م
الدراسة/ خريج كلية الطب سنة 1982 طب الإسكندرية، وحاصل على ماجستير طب الأطفال سنة 1992، وحاصل على ليسانس الشريعة الإسلامية سنة 1999.
صوت السلف: وبيانات الأسرة إذا سمحتم لنا.
الشيخ: والدي رحمه الله كان يعمل مهندساً، ونشأت في أسرة ملتزمة،وبفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ كان جو الالتزام العام يؤثر فيها، وإن لم يكن تفاصيل الالتزام على ما نعلمه الآن من معاني الالتزام التفصيلي في سائر نواحي الحياة، لكن التدين بصفة عامة والتوجه إلى التزام الحلال واجتناب الحرام بعد المحافظة على الصلوات والعبادات الواجبة. والدي رحمه الله كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين في كفر الدوار حيث محل عمله وكذا سكنه لفترة من الزمن، وكان هو سبب في اقترابي من معاني الالتزام، وكذا كان عمي الدكتور برهامي حفظه الله هو أيضاً تربى معنا، رباه والدي كواحد من أفراد الأسرة.
صوت السلف: نفهم من ذلك أن النشأة الأسرية كانت هي العامل الرئيسي في اتجاهك للالتزام.
الشيخ: نعم، بالإضافة إلى تعرض والدي وعمي لمحنة الإخوان عام 1965 وقد بقي عمي محبوساً فيها لمدة خمس سنوات مما كان له أكبر الأثر في ارتباطي به لشعوري بشدة الظلم الواقع عليه. وكنا نذهب لزيارته في طرة ..... فكان هناك تعلق شديد وحب له، حيث لم يكن هناك سبب يقتضي أن يعتقل، وكان منهج الإخوان في ذلك الوقت ليس فيه هذا القدر الكبير من التميع الحالي، بل أتذكر أن أول قراءتي في مكتبة البيت كان كتاب رياض الصالحين وكتاب فقه السنة، وهذه الكتب أول ما أثر في، وأتذكر أني قرأت كتاب رياض الصالحين وانتهيت من قراءته في الصف الثالث الإعدادي، وشرعت في قراءة الأجزاء الصغيرة من كتاب فقه السنة بعدما خروج عمي من المعتقل سنة 1970، وبدأ يتغير الوضع، كان هناك توجه إلى المزيد من المحافظة على القرآن، المحافظة على الصلاة في أوقاتها، تعلم بعض أحكام التجويد وبعض سنن الصلاة، حيث كانوا يدرسون في المعتقل المغني وسبل السلام، وأتذكر أن أول من دلني على كتاب معارج القبول عمي أيضاً، فلذلك كان المنهج فيه قرب كبير أو فيه روافد كثيرة من المنهج السلفي.
صوت السلف: نفهم من ذلك أن دخول عمك السجن كان مرحلة، بينما كان خروجه مرحلة أخرى دفعتك للقراءة فماذا كانت المرحلة التالية؟
الشيخ: كانت المرحلة التالية في الالتزام بعد النشأة الأولى في المرحلة الثانوية، حيث كنا أنا والأخ أحمد حطيبة والأخ مصطفى خليل كنا نشترك معاً في الجماعة الدينية، كنا في فصل واحد، وكنا نلقي الدروس تحت إشراف مشرفها الأستاذ شاكر القطان حفظه الله؛ وهو أحد أفاضل الأساتذة وكان مشرف الجماعة الدينية، فكان هو يستمع، هو لم يكن يشارك ولكنه كان يستمع إلى الدروس التي كنا نلقيها في الفسحة، وكان هذا سبباً في مزيد من القراءة ومزيداً من المطالعة، والإمكانية الدعوية بدأت تتكون من خلال إلقاء هذه الدروس لمدة ربع ساعة يومياً.
صوت السلف: في نهاية المرحلة الثانوية وعلى أعقاب الجامعة كيف كان حالكم؟
الشيخ: أنهينا المرحلة الثانوية وفي داخل كل منا صبغة إسلامية قوية بفضل الله، وفي أثنائها منَّ الله علينا بإطلاق اللحية التي سمعنا القول بوجوبها سماعاً مرسلاً بلا دليل، فبحثنا في كتاب فقه السنة الذي كان يمثل المرجعية الفقهية لنا في ذلك الوقت فوجدنا فيه إشارة في الحاشية فيه أن الجمهور حملوا الأمر بإطلاق اللحية على الوجوب، ومن ثم قالوا بوجوب إطلاقها وحرمة حلقها، فعزمنا على الالتزام بذلك فمنَّ الله علينا بها والحمد لله رب العالمين.
صوت السلف: ماذا وعن الجامعة؟
الشيخ: عند دخولي الجامعة سنة 1976 التقيت بالإخوة في الجماعة الإسلامية التي كانت تمارس دوراً بارزاً في الدعوة إلى الله.
صوت السلف: هل يحضرك أسماء الشخصيات التي التقيتها أولا؟
الشيخ: كان أول من التقيته الشيخ أحمد فريد، حيث كان مقيماً في سيدي بشر في ذلك الوقت، وكان في مسجد السلام وكنت أصلي معهم التراويح من قبل أن أدخل الجامعة، وكان في سنة خامسة طب. وفي الجامعة تعرفت أيضاً على الشيخ محمد إسماعيل وكان أيضاً في خامسة طب، وتعرفت أيضاً على الشيخ سعيد عبد العظيم وكان في سنة خامسة وكذلك الدكتور إبراهيم الزعفراني.
صوت السلف: المعروف أن الدكتور إبراهيم الزعفراني أحد رموز جماعة الإخوان المسلمين.
الشيخ: الجماعة الإسلامية في ذلك الوقت كانت سلفية خالصة والدكتور الزعفراني وغيره كانوا على هذا المنهج إلا أن حصل الانقسام المشهور في صفوف الجماعة الإسلامية.
صوت السلف: هل عايشت هذه الأحداث عن قرب؟
الشيخ: نعم فإن هذه الأحداث وقعت بعدما كنت أعمل مع الجماعة الإسلامية.
صوت السلف: إذن فلنتحدث أولاً عن كيفية عملك في الجماعة الإسلامية.
الشيخ: ذكرت لك أننا تعرفنا على إخوة الجماعة الإسلامية في كلية الطب وفي أول الأمر كلفوا الدكتور أحمد حطيبة بالمسئولية عن كلية طب الأسنان بينما كنت أنا مسئول عن نصف دفعتي، وما زلت أذكر أول كلمة ألقيتها في مدرج الكلية وكانت قراءة في سورة الرحمن ثم كلمة عن شروط لا إله إلا الله فبقيت عالقة في ذهني لا سيما أن ذات الموضوع كان موضوع أول خطبة ألقيها في مسجد التقوى، وهكذا تعرفنا بعد ذلك على بقية إخوة الجماعة الإسلامية خارج كلية الطب كالشيخ أبي إدريس.
صوت السلف: عودة إلى موضوع انقسام الجماعة الإسلامية.
الشيخ: أخرج الأخوان من السجون والجماعة الإسلامية موجودة على أرض الواقع بمنهجها السلفي النقي، وفي بداية الأمر لم يحاول الإخوان إظهار كبير فرق، وكانوا مثلاً يحافظون على الهدي الظاهر، ولم يتعرضوا للكتب السلفية التي ندرسها وظل الأمر على ما هو عليه من دعوة الجماعة الإسلامية المتميزة بمنهج سلفي واضح جداً مع الاستفادة بالطاقة الحركية الموجودة عند الإخوان، وكذلك طاقة الشباب العالية. وتمت معسكرات صيفية سنة 77، 78، 79 كلها كانت ذات منهج سلفي، كان يوزع فيها كتاب الأصول العلمية للدعوة السلفية، وكان يدرس فيها كتاب تطهير الجنان والأركان عن درن الشرك والكفران، كلها كانت صبغة سلفية في جميع الأشياء، بدأ النزاع يظهر بعدما قويت شوكة الإخوان ومحاولة فرض منهجهم على الجماعة الإسلامية، فبعض الشباب اختار المحافظة على المنهج ولو على حساب الجماعة، والبعض الآخر أختار المحافظة على الجماعة ولو على حساب المنهج.
صوت السلف: ومتى حدث التمايز الواضح وكيف؟
الشيخ: حصل ذلك في أوائل سنة 1400هـ ، وكنت آنذاك في رحلة عمرة في شهر رمضان وبقيت هناك إلى الحج فعدت لأجد الأخوة الذين آثروا الحفاظ على المنهج السلفي قد انسحبوا من الجماعة الإسلامية.
صوت السلف: ألا يمكن أن تحدثنا عن هذه الرحلة قبل الاستطراد في تفاصيل الانسحاب من الجماعة الإسلامية؟
الشيخ: هذه الرحلة كانت ذات أثر كبير جداً علي، وكانت في صيف السنة الثانية في كلية الطب سنة 79 الموافق رمضان من سنة 1399 إلى حيث سافرت إلى العمرة في رمضان وبقيت إلى الحج. خلال هذه الرحلة لزمت دروس الشيخ ابن باز رحمه الله، وكانت القضايا التي كانت تمثل نقاط اختلاف في الدعوة أو في العمل كلها كنت أسأله عنها بطريقة مباشرة، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، ومن خلال كثرة الحضور جعل الله الشيخ سبباً في تسهيل الحج في مخيمات هيئة التوعية الإسلامية، وقدر الله سبحانه وتعالى من فضله أن يكون الشيخ المسئول عن الخيمة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى، فلازمنا فترة الحج كلها.
صوت السلف: يعني حضرتك بقيت فترة الحج بصحبة الشيخ محمد بن عثيمين.
الشيخ: نعم بقيت مع الشيخ ابن عثيمين فترة الحج كلها، وطبعاً في ذلك الوقت لم يكن قد اشتهر الشهرة العالية جداً مثل الشيخ بن باز رحمهما الله تعالى، ولكن أعجبت به وبأسلوبه العلمي الدقيق، وفتاواه المنضبطة جداً.
صوت السلف: أظن أن هذه الفترة لابد وأن تظل محفورة في ذهنك.
الشيخ: نعم بلا شك، للقائي فيها بالعالمين الشامخين ابن باز والعثيمين كما أنه قد حدثت فيها أحداث الحرم وهذه الأحداث التي وقع فيها عدد كبير من المنتسبين إلى العلم والدعوة عصمنا الله تعالى بفضله من الوقوع فيها. وكان الشيخ محمد إسماعيل قد حضر إلى الحج ونصح الإخوة آنذاك بالبعد عن الفتن وهو ما اتفق عليه جميع الأخوة الموجودون هناك آنذاك.
صوت السلف: عودة إلى موضوع الانسحاب من الجماعة الإسلامية.
الشيخ: بعد العودة وجدت تغيراً كبيراً حصل في منهج الجماعة وكان الإخوة في السنة الثالثة في كلية الطب مرتبطين بي ارتباطاً قوياً جداً، فظلوا معي، ومعظم الشباب استمروا على المنهج السلفي في ذلك الصيف، ولما حضرت إلى معسكر الجماعة الإسلامية كالمعتاد وجدت تغيراً كما يقولون مائة وثمانين درجة إلى منهج الإخوان، فلم أستطع أن أكمل المعسكر وانسحبت، وانسحب معي مجموعة كبيرة من الإخوة، وهنا ظهر أن هناك عمل إخواني صرف، وهو ما يسمى بالجماعة الإسلامية، أما الدعوة السلفية فهي عبارة عن مسجدين أو ثلاثة فقط، كان منهم مسجد التقوى ومسجد السلام ومسجد عباد الرحمن في بولكلي ومسجد نور الإسلام.
صوت السلف: هل كان هناك مساجد أخرى في ذلك الوقت؟
الشيخ: لا كان مسجد نور الإسلام، في البداية كان مسجد أحمد بن حنبل الذي كان الشيخ أحمد حطيبة مسئولاً عنه، وبعد ذلك أصبح مسجد نور الإسلام لما انتقل إليه الشيخ، لكن لم يكن هناك يربط الإخوة ببعضهم في ذلك الوقت إلا المنهج.
صوت السلف: وهل ظل العمل الدعوي السلفي قاصراً على المسجد فترة طويلة أعني متى عاد العمل السلفي إلى الجامعة؟
الشيخ: في سنة رابعة كان الأخ عماد عبد الغفور اقترح أن نعمل عملاً سلفياً في الجامعة، فوافقت واتفقت أن نكون مشتركين معاً في هذا العمل، فبدأ العمل فبدأ الصدام مع الإخوان الذين كانوا يعملون باسم الجماعة الإسلامية.
صوت السلف: ومتى كان ذلك؟
الشيخ: هذا كان في سنة 1980، وهي التي حدثت أحداث كلية الطب فيها، هذه الأحداث كنا نوزع أوراقاً ونعمل محاضرات في ساحة الكلية ونسميها ندوة، ونتكلم فيها عن قضية التوحيد وقضايا الإيمان باليوم الأخر ويتكلم فيها الإخوة، فخطط الإخوان لمنع هذا اللقاء، ومنع خروج الناس والمشاركة، وحصل صدام بين بعض الإخوة وبعضهم، وساعتها حدث نوع من التخبط في المواقف، لأنهم كانوا مرتبين أمورهم جيداً ونحن فاجأنا مثل هذا الموقف، بعض الإخوة طالب بالانسحاب، وبعضهم طالب بالرد بعنف، وظهر ارتباك شديد جداً في صفوفنا أمام الناس، وساعتها التقى الأخوة مع بعضهم واتفقوا أنه لابد أن يتم العمل بطريقة مرتبة بينهم وبين بعض، ما يشبه باتحاد الدعاة بين الإخوة الذين يعرفون الآن بشيوخ الدعوة السلفية أو رموزها، وتم الاتفاق على أن الشيخ أبو إدريس هو قيِّم المدرسة السلفية، وتواجد العمل في المساجد بالإضافة إلى العمل في الجامعة، وحدثت احتكاكات أقل بعد ذلك لكن بقيت مستمرة.
صوت السلف: ومتى توقفت هذه الاحتكاكات أو اضمحلت؟
الشيخ: لقد تلاحقت الأحداث فدخل عدد من الإخوة السجن ضمن أحداث سبتمبر1980 التي دخل فيها رموز من مختلف الحركات الإسلامية منهم الشيخ أحمد حطيبة من السلفيين كما اعتقل الشيخ محمد إسماعيل بعد ذلك كما اعتقل الشيخ أحمد فريد بسبب رفض حلق اللحية في الجيش ولم يبق في الخارج إلا الشيخ سعيد عبد العظيم والشيخ أبو إدريس وأنا فتعاونّا في أمر الدعوة بفضل الله عز وجل إلى أن خرج الإخوة المحبوسين.
صوت السلف: ومتى أستأنفت النشاط الدعوي مرة أخرى؟
الشيخ: ظلت الدعوة السلفية، وكذلك الإخوان متأثرين بهذه الأحداث حتى منَّ الله علينا في عام 84 وبدأنا العمل حتى قبل الإخوان واستأنفنا النشاط في الجامعة وكونَّا أربع أسر في كليات الزراعة والتربية والهندسة والطب، وكتبنا عدداً من الرسائل تم توزيعها من خلال هذه الأسر جمعتها فيما بعد في كتاب "معاً على طريق الجنة".
صوت السلف: إذن يمكن القول بأن أصول كتاب "معاً على طريق الجنة" تمثل أول مؤلفاتك؟
الشيخ: لا بل سبقها كتاب فضل الغني الحميد الذي أعددته في أول الأمر كمذكرة تشمل اختصاراً لكتاب التوحيد لتدريسه للإخوة وكان هذا في عام 80 قبل الأحداث التي أشرت إليها.
صوت السلف: قبل أن ننتقل إلى محطات أبعد في المشوار الدعوى ، نريد أن نعود إلى نقطة شخصية أخرى، وهي أنك ذكرت لقياك بالشيخين ابن باز وابن عثيمين، فهل لقيت غيرهما؟
الشيخ: نعم التقيت بالشيخ ابن قاعود والشيخ أبي بكر الجزائري كليهما في زيارته للدعوة هنا في الإسكندرية وكذلك التقيت بالشيخ عبد الرزاق عفيفي في رحلة حج طال مقامي فيها هناك لظروف مقتل السادات.
أخي الكريم تابع معنا في الحلقة الثانية من الحوار
حوار مع فضيلة الشيخ ياسر برهامى (الجزء الثاني)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
يسر موقع صوت السلف أن ينشر الجزء الثانى من الحوار الذى أجريناه مع الشيخ/ ياسر برهامي (المشرف على الموقع)، ونحب أن نشير إلى أن الحوار تم مرة واحدة وجزّأناه في النشر على حلقتين، وثمة حلقة أخرى من الحوار لم تتم بعد يمكن لمن أراد أن يرسل الأسئلة التى يقترح علينا أن نسألها للشيخ وإن شاء الله يجد إجابة عليها فى الحلقة الثالثة من الحوار.
لقراءة الحلقة الأولى اضغط هنا
صوت السلف: ذكرت لنا أن ممن التقيت بهم الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله، والشيخ أبو بكر الجزائري، والشيخ ابن قاعود، فلتكن البداية بالشيخ عبد الرزاق عفيفي كيف ومتى كان اللقاء معه؟
الشيخ: كنت فى رحلة حج عام 1981 وبقيت شهراً بعد الحج حتى هدأت الأوضاع بعد مقتل السادات، وكان الشيخ عبد الرزاق عفيفي أهم من التقيت به، فكان كثير من القضايا الحساسة جداً التى طرحت فى المجال الدعوى بعد ذلك كانت مستفادة من مجالسة الشيخ رحمه الله، والطرح مفيد جداً رغم قصر المدة، والشيخ ابن باز رحمه الله كان يقدر الشيخ عبد الرزاق عفيفي تقديراً بالغاً جداً، وكان رغم أنه كان نائب الرئيس فى اللجنة الدائمة إلا أن كان لا يجلس إلا إذا جلس الشيخ، يعنى كأنه يعتبره شيخه.
فكان الشيخ عبد الرزاق عفيفي له فهم دقيق جداً بمسائل الواقع.
صوت السلف: خاصة وأن الشيخ شهد الواقع المصري.
الشيخ : نعم، ولهذا كانت مسألة غاية في الفائدة حقيقة، يعنى مثلاً في الكلام على قضايا الحكم بما أنزل الله كان كلامه فيها هو الذى سجلناه فى الكتب، مع التفريق طبعاً بين النوع والعين، وهذا أمر معلوم، لكن الشيخ عبد الرزاق عفيفي كان كلامه فى منتهى الوضوح، هو كان رئيس لجماعة أنصار السنة، ولذلك أنا أجزم بأن المخالفين لنا فى هذه المسألة ممن ينتسب لأنصار السنة مخالفون للشيخ حامد الفقى مؤسس الجماعة ولأعلم شيوخها بعد ذلك الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
صوت السلف: هل نستطيع أن نقول أن الدعوة السلفية لها تاريخ تستمده من وراثتها لمنهج جماعة أنصار السنة المحمدية الأصيل؟
الشيخ: هي تأثرت بلا شك، لأن جماعة أنصار السنة كانت على منهج أهل السنة والجماعة وتميزت بنشره على يد الأستاذ حامد الفقي، وعلى يد الشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ عبد الرحمن الوكيل، كل هؤلاء لهم تأثير ضخم، وكان كذلك الشيخ محمد على عبد الرحيم، وإن كان منزلة المشايخ المتقدمين فى العلم أعلى، لكن كان لنا معه بعض المجالسات ولكن ليست بالطويلة، فبالتأكيد تأثرت الدعوة، لكن استفادت من خلال تجربة العمل فى الجماعة الإسلامية بنوع من التواجد وسط الشباب، لكن مع الحذر من الأخطاء الحركية والمنهجية التى وقعت فيها جماعة الإخوان.
صوت السلف: لماذا لم تعملوا ضمن جماعة أنصار السنة؟
الشيخ: الحقيقة أن هذه المسألة كانت تتوقف على شخصيات القائمين على الجماعة فى الأماكن المختلفة، ففي الإسكندرية كان هناك طائفة لا تستوعب الشباب ولا طاقاتهم بل تكاد تحصر نفسها في قضايا بعينها تتشدد جداً فيها وتهمل غيرها رغم أن الحق غالباً ما يكون فى خلافها مثل قضية الاقتصار على الصحيحين فى الاستدلال ومثل قضية إخراج القيمة فى زكاة الفطر ومثل قضية إنكار المهدي، ولقد كان الوضع فى الإسكندرية لا يحتمل أي تطوير للعمل من خلال الوضع القائم فى حين كان التعاون التام فى وجود الشيخ صفوت نور الدين رحمه الله وقبل أن يتولى رئاسة الجماعة، وأتذكر أن الشيخ كان يحضر لقاءات الإخوة في المحافظات المختلفة بتواضعه وعلمه وسعة أفقه وحسن خلقه رحمه الله تعالى، وفى كثير من البلاد عمل الأخوة ضمن هذه الجماعة حتى حالت ظروف كثيرة خارجة عنا عن ذلك.
صوت السلف: وماذا عن لقائكم بالشيخ أبو بكر الجزائري رحمه الله؟
الشيخ: لقد زار الشيخ الدعوة هنا فى الإسكندرية في عام 1986، وكان لهذه الزيارة أثر كبير جداً في تدعيم موقف الدعوة وخصوصاً أمام الإخوان، لأنه زار كل مساجد الدعوة تقريباً، وألقى محاضرات قوية جداً في المنهج السلفي.
صوت السلف: ذكرت أن الدعوة استفادت من موقف الشيخ عبد الرزاق عفيفي في مسألة الحاكمية، فهل تمت مناقشات منهجية مع الشيخ الجزائرى بخلاف المحاضرات العامة؟
الشيخ: نعم لا شك، وكان من ذلك أن سئل الشيخ فى مسجد نور الإسلام عن حديث النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من مات وليس فى رقبته بيعة مات ميتة جاهلية" فأجاب الشيخ فقال: "أنا سئلت هذا السؤال فى المغرب فقلت لهم أنتم فى أعناقكم بيعة للملك الحسن الثاني، ومعلوم موقف الحسن الثاني، يعنى علمانية واضحة، والعلاقات كانت مع إسرائيل فى ذلك الوقت ـ يعنى قبل أن يزور السادات القدس أو بعدها يعنى سنة 1986 ـ، كان خلاص تم الصلح مع إسرائيل، لكن الحسن الثاني كان في عز المعركة فى ذلك الوقت"، الغرض المقصود بأن هذه الإجابة أثارتنى وأثارت كل الإخوة، فعاتبت الشيخ فيها وقلت له: يا شيخ يعنى الآن هذه الفتوى كيف تتم؟ فقال: "هذا سؤال حرام أن يسأل؟، هل تريد أن أقول أن يخرجوا ويقاتلوا ويترتب على ذلك الفتن، أنا احتاط لكم كما أحتاط لنفسي، أنا كنت أقصد أن الناس مطيعون رغما عنهم للحسن الثاني، وكل من فى فى بلدهم مطيعون رغماً عنهم مقهورون فى ذلك"، فقلت له: الناس تسأل عن الحديث فى الناحية الشرعية وليس عن الواقع القهري، الناس يمكن أن يقال لهم أنهم إذا عجزوا عن شيء سقط الواجب، الجواب الذي ينبغي أن يجاب به أنهم إذا عجزوا عن المعنى الشرعى فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وهذه هي الحقيقة، لماذا؟ يعنى ما موقفنا من الأمر؟ هذه البيعة بيعة لأمير المؤمنين، هذا خليفة، هذا الذي ينطبق على الحديث: (من مات وليس فى رقبته بيعة مات ميتة جاهلية)، فهذه بيعة، فهذا الخليفة غير موجود، لا يوجد خليفة للمسلمين الآن، فماذا نجيب ربنا عن هذا المعنى؟ هل نموت ميتة جاهلية؟ نقول: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، نحن ندين لله عز وجل بأنه عندما يوجد خليفة سوف نبايعه، والخليفة لا بد أن يكون ممكناً، ذا سلطان، وليس أنه شخص عادى يمكن أن يوضع فى السجن بين لحظة وأخرى، وبالتالي فتركنا لهذا الأمر من باب العجز، وعدم الوجود، وهذه حجتنا عند الله، فاعتذرت له عن سوء الأدب فى الاعتراض على الفتوى فقلت له: سامحني فقال ما معناه أنه ازداد لى حباً، وتقبل الأمر بصدر رحب جداً حفظه الله تعالى.
صوت السلف: هل يمكن أن تصوغ لنا هذه المناقشة فى عبارة مختصرة؟
الشيخ: نحن نرى أن الطاعة التى تجب على المسلم فى المنشط والمكره وفى السر والعلن هى طاعة الخليفة الذى يتولى باسم الدين لإقامة الدنيا بالدين، وإن لم يكن مستجمعاً لشروط الخلافة، وأما من عدا ذلك فالطاعة تكون حيث كانت مصلحة المسلمين، وقد لا يوجد فرق عملى فى بعض الأحيان كالحالة التى أجاب عنها الشيخ، ولكن التفريق النظرى مهم جداً حتى إذا ما وجد واقع مغاير حكم عليه بما يناسبه كحال الفلسطينيين مع اليهود مثلاً، وكحال الجهاد الأفغانى مع الروس فى أول الأمر، فنحن في الواقع نلتزم بما فيه مصالح المسلمين مما تطلبه الحكومات المعاصرة وحتى ما نمنع منه من أمور الدعوة فنمتنع منه لما كان الضرر على الدعوة أعظم من المصلحة المرجوة، وإثم المنع على من منعنا ونحن لا نرى أن الصدام والمواجهة المحسوسة تأتى بالخير على الدعوة بل بالعكس، ولكن لا يعنى المداهنة أو قبول الباطل أو الإقرار بالمنكر أو المشاركة فيه.
صوت السلف: بمناسبة ذكر البيعة ما رأيك في البيعة التي تأخذها بعض الجماعات لقادتها، وما موقف الدعوة من البيعة؟
الشيخ: أقول بلا مداراة ولا مداهنة ولا كذب لمصلحة الدعوة ولا تعريضاً كما يحاول البعض أن يتهمنا، وللعلم نحن لا نرى الكذب لمصلحة الدعوة بل الكذب يضر الدعوة، وإنما يجوز الكذب فيما أجازه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "في الحرب، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها، والإصلاح بين الناس" أقول: ليس عندنا بيعة، وإنما نرى تحقيق التعاون على البر والتقوى، أن هذا لازم لنا من غير بيعة، البيعة هذا أمر حصل فيه نوع من الخلل في الفهم لأن البيعة التي رآها بعض العلماء جائزة على الطاعات أو مشروعة، ظنها الناس أنها بالمعنى السياسي، وتحولت على يد الإخوان من بيعة تشبه البيعة الصوفية إلى البيعة السياسية، وأصبح المرشد بمنزلة الإمام والحاكم على أفراد الجماعة.
صوت السلف: وهل هذا يعد خروجاً على مفهوم البيعة الشرعي؟
الشيخ: هناك معنى للبيعة بالمفهوم السياسي وهذا يكون للإمام الممكن، وهذا غير حاصل، فهم صبغوها بهذه الطريقة، وهناك بيعة على الطاعات يعني مثلاً أنا أبايعك على إقامة الصلاة، الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يبايع الناس على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، وهذه ليست بالمعنى السياسي للبيعة وهذا أمر مشروع إذ هو نوع من العهد، بأن أقول لك مثلا: عاهدني بأن تحافظ على صلاة الجماعة، عاهدني على أن تحقق التعاون على البر والتقوى، عاهدني بأن تحافظ على طلب العلم، يعني مثلاً كنا نكتب في المعهد أنا فلان أتعهد بأن أحافظ على دروس المعهد كاملة، وأن أشارك في العمل الدعوي بعد تخرجي من المعهد، هذا هو .. هذا تعهد بالعمل على الطاعة ليس بالمفهوم السياسي، فحدث خلط بالفعل لدى الإخوان ثم الجماعات الأخرى. وبداية البيعة عند الإخوان كانت من تأثرهم بالمنهج الصوفي عند الأستاذ حسن البنا ـ رحمه الله ـ، لأنه كان في الطريقة الحصافية فهذا فهم أنه يكون بالمعنى السياسي، واستمرت عند كل الجماعات التي تأخذ بيعة مثل الجماعة الإسلامية والجهاد.
ونحن من أجل المفاسد الحاصلة في موضوع البيعة ولسوء فهمها، ولأجل الخلط الذي يحدث ما بين المعاهدة على الطاعات الذي لا يوجب شيئاً لم يكن واجباً، في الحقيقة لو أوجبتها على نفسي بالعهد يتحلل منه بكفارة يمين، يعني لو قال واحد أعاهد الله على أن أصلي السنة مثلاً، فهذا تصبح السنة واجبة عليه لأجل نذره، وإذا لم يف عليه كفارة، يعني يكفر عن يمينه، لكن قضية التعاون على البر والتقوى لازمة سواء تبايع الناس أو لم يتبايعوا.
صوت السلف: كثيراً ما رفع الإخوة الدعاة والمشايخ شعار (السلمية والعلنية) فما فقه هذا الشعار؟
الشيخ: هذا الشعار ذكره الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في تقييمه لما ينبغي عليه العمل الدعوي لدفع المضار عن العمل الإسلامي، وهذا نقول به لأن الأصل في الدعوة العلن والبيان ونحن في واقعنا لا نحتاج إلى سرية، وقد تمكنا من الدعوة العلنية بحمد الله، ثم هي سرية وهمية أضر من العلنية كذلك معنى السلمية لأنه بها يحصل أنواع من الخير ودفع الشر لأهل الإسلام ولا يعنى ذلك أن كل أحوال المسلمين في كل مكان وزمان كذلك، فنحن لا نبطل الجهاد بالقوة والسنان وموقفنا واضح من الجهاد في بلاد المسلمين التي نزلها الأعداء كأفغانستان والبوسنة وفلسطين والشيشان والعراق، ورغم الدخن الذي يوجد إلا أن الجهاد من أعظم الطاعات وأفضل القربات وهو بين الوجوب العيني على أهل البلد والوجوب الكفائي على غيرهم، كذلك في معنى السرية فالمسلمون في روسيا والاتحاد السوفيتي سابقاً هل كانوا يستطيعون إظهار المصحف أو الصلاة جماعة؟ فضلاً عن تعلم العلم والدعوة إلى الله فما كان يلزمهم؟ هل نقول السرية محرمة عليهم وإذا لم تقدروا على العلن لا تقرؤوا القرآن في السر ولا تدعوا ولا تعملوا ؟؟ نعوذ بالله من ذلك، بل يجب عليهم ما يقدرون عليه من ذلك قدر إمكانهم و بالذي يدفع الضرر عنهم في دينهم قبل دنياهم، والبعض يجادل أن يجعل كل طاعة لا بد فيها من إعلان واستئذان وهذا ليس من كلام أهل العلم، وأنصح بمراجعة كتاب (فقه الأمر بالمعروف) في هذا المقام، ولكن نقول لسنا بحمد الله نحتاج إلى السرية، وضررها في واقعنا أكثر من نفعها.
صوت السلف: وماذا عن لقائك بالشيخ ابن قاعود؟
الشيخ: كان ذلك أثناء زيارة الشيخ ابن قاعود لنا هنا في الإسكندرية، وأيضاً كنت ملازماً له فيها، ووجدنا طبعاً فرقاً كبيراً بين طريقته رحمه الله وبين طريقة الشيخ أبى بكر، طريقة الشيخ أبو بكر كانت تميل إلى الجماهيرية، طريقة الشيخ ابن قاعود كانت ما شاء الله علمية ممحصة تمحيصاً دقيقاً، وهو رجل مجتهد عالم، بلا شك أثر تأثيراً ضخماً جداً على كل الأخوة.
صوت السلف: جميع المشايخ الذين ذكرتهم هم من جملة علماء الدعوة الوهابية المعاصرين، فلماذا إذن ينسب البعض الدعوة إلى الشيخ الألباني؟
الشيخ: لا ينكر أحد فضل الشيخ الألباني ودعوته وجهوده في نشر السنة فهو من مجددي هذا الزمان، ولكن الدعوة لا تقتصر على واحد بعينه تنسب له دون من سواه، بل الدعوة تقدر جميع علماء أهل السنة القدماء والمعاصرين، والمواقف التي اتخذتها الدعوة كانت نتيجة دراسات على ضوء كلام أهل العلم ولا تخرج في مجموعها عنهم في معظم قضايا المنهج منظرة تنظيراً متقناً في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يمثل مرحلة هامة جداً في تنظير كلام السلف، وعند تنزيل كلامه على أرض الواقع رجعنا لكلام العلماء المعتبرين من المعاصرين.
صوت السلف: الإحالة على ابن تيمية أليست إحالة على الكتب، وإنما يطلب العلم على يد الشيوخ؟
الشيخ: هذا الكلام يقال لمن وجد الشيوخ ثم أعرض عنهم إلى الكتب ولكن عندما تفتقد ذلك فماذا فعل السلف؟ شيخ الإسلام كان له شيوخ ولكن مؤلفاته كالفتوى الحموية الكبرى وغيرها من شيوخه غير الكتب، وإلا فلماذا اعتبر شيخ الإسلام أعلم أهل زمانه بمذهب السلف إن لم يكن قد تعلم من الكتب ما لم ينقله غيره؟
الشيخ الألباني من شيوخه أبوه رحمه الله كان فقيهاً حنفياً متعصباً، فمن جعل الألباني إماماً في السنة والحديث؟
شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ذكر في "مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد" احتجاج مبتدعة زمانه عليه بمخالفته لمنهج شيخه "شيخ الإسلام ابن تيمية" وهذا لأنه مع أن له شيوخاً إلا أن كثيراً من علمه أخذه من كتب ابن تيمية.
وبالنسبة لي كان لقاء المشايخ ابن باز وابن عثيمين وابن قاعود والجزائري وعبد الرزاق عفيفي كما ذكرنا من أكثر المؤثرات في توضيح معالم المنهج بعد شيخ الإسلام ابن تيمية ومدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى فقراءتنا لم تكن مفرغة من الرجوع لأهل العلم والعرض عليهم خصوصاً في المواقف الحساسة، ثم كانت مناقشات الإخوة الدعاة الكرام مشايخ الدعوة من أعظم الأمور أهمية في تحديد مواقف الدعوة المختلفة فهم كلهم شيوخنا جزاهم الله خيراً.
صوت السلف: لنعد الآن إلى مسيرتكم الدعوية ذكرتم معاودة نشاط الجامعة في عام 1984، وماذا بعد؟
الشيخ: بعد ذلك تم إنشاء معهد إعداد الدعاة تحت إشراف الشيخ فاروق الرحماني رحمه الله في مسجد الفرقان، وشارك فيه الإخوة كلهم في البداية، لكن لم يستمر من المشايخ القدامى الذين بدءوا في العمل غيري أنا والشيخ أحمد حطيبة وأضيف إليهم من تخرج من المعهد واستمر المعهد حتى 1994.
صوت السلف: هل كان هذا المعهد أول محاولة من الدعوة لتقديم دراسة منهجية منتظمة؟
الشيخ: طبعاً ينبغي ملاحظة أنني أحكي عن مشواري الدعوى، وبالتالي ثمة أحداث قد تجدون فيها تفاصيل أكثر عند غيري وهي على وجه التحديد الجماعة الإسلامية في سنواتها الأولى وقبل دخولي الجامعة كيف كانت طبيعة الدراسة فيها، ومدرسة الجماعة الإسلامية التي كانت في مسجد عمر بن الخطاب، ثم بعد الانفصال انتقلت إلى مسجد عباد الرحمن وصارت تعرف بالمدرسة السلفية، وكان درس الخميس للشيخ محمد إسماعيل حفظه الله ملتقى الإخوة الأسبوعي من كل الإسكندرية وغيرها.
صوت السلف: هل كان المعهد كافياً لتقرير أصول المنهج السلفي عن هذا الجمع الكبير من الأخوة؟
الشيخ: المعهد كانت رسالته تخريج طلبة علم، وبعد ذلك وكمحاولة لوصول المنهج لعدد أكبر صدرت بعد ذلك مجلة صوت الدعوة، وكانت معظم المقالات التي فيها تمثل المنهج السلفي مثل فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مثل فقه الخلاف، فقه الجهاد، الدعوة السلفية ومناهج التغيير، العمل الجماعي، كلها ظهرت خلال مجلة صوت الدعوة إلى أن توقفت أيضاً سنة 1994، وللعلم أنا لست كاتب هذه المقالات وحدي بل مشارك فيها وما كتبته أقره الإخوة. ولعل السبب في وجود كثير من الأخطاء المطبعية والأخطاء في النقل في هذه المقالة تعدد كاتبيها وتنوع العبارات والأوراق حتى اختلطت على من كان يعدها للطبع مع ضعف المراجعة في ذلك الوقت، ولذلك أنصح الإخوة بالترتيب في النقل والنشر لهذه المقالات حتى تراجع مرة ثانية.
صوت السلف: المعهد توقف سنة 94 المجلة توقفت سنة 94 لعل كثير من القراء لا يدري السر في ذلك.
الشيخ: الدعوة جزء من واقع مليء بالحسابات المعقدة ونحن نجتهد قدر الطاقة في فعل ما فيه جلب المصلحة ودرء المفسدة دون تعجل ودون أن نستجلب على أنفسنا أو على دعوتنا البلاء، بل شعارنا "والله لا يعطوننا خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبناهم إليها" ولكن إذا شاء الله شيئاً كان، فقد تم عمل قضية للإخوة سنة 94، وتم القبض علي الشيخ سعيد والشيخ أبو إدريس، وتم تسليم المعهد لوزارة الأوقاف على أساس أنهم سوف يستمرون في العمل، وطبعاً لم يستمر العمل بأي درجة من الدرجات، وتوقف عمل ما كان يسمى بالمجلس التنفيذي في ذلك الوقت، وهو ترتيب العمل في المناطق بطريقة مركزية.
صوت السلف: البعض يتهم الدعوة بالتهاون في إيقاف الأعمال الدعوية، فما ردكم؟
الشيخ: نحن نُتهم بتهمتين متناقضتين، الأولى: أننا ندعو دعوة سرية، ونأخذ بيعة إلى آخر التهم المعروفة، والثانية: هي تهمة التهاون التي ذكرتها، ونحن ندين لله بأن نفعل كل ما في وسعنا من نصرة دين الله بحيث تتحقق المصلحة وتدفع المفسدة، وبالتالي كان لا بد من إيقاف العمل في الظروف التي أشرنا إليها.
صوت السلف: هل شهد عام 94 إيقاف جميع أنشطة الدعوة؟
الشيخ: لا، بقى العمل مع الجامعة والطلائع وهو لم يتم الاعتراض عليه وظل مستمرا حتى سنة 2002، وهو القضية الأخيرة التي من خلالها تم إيقاف العمل في الجامعة والطلائع والعمل خارج محافظة الإسكندرية كذلك، وكان أصلاً السفر خارج الإسكندرية متوقف أيضاً من أواسط التسعينات كذلك.
صوت السلف: ضربت الدعوة في 94 ومع ذلك ظل العمل مستمراً حتى 2002 أين مراعاة المصلحة والمفسدة هناك؟
الشيخ: نحن تعرضنا لهذه التجربة في ضوء أحداث عالمية أكبر من تأثيرات داخلية أو أن بعض الناس قد يظن مثلاً أن العمل في الجامعة أو في المحافظات الأخرى هو السبب، هذه كانت المبررات المطروحة، لكن الحقيقة أن هذه المبررات كان ممكن توجد في أي وقت آخر مبررات غيرها، لكن الأحداث العالمية في ذلك الوقت كانت ذات أثر كبير جداً. وعموماً المفسدة التي يوقف العمل من أجلها هي المفسدة المتحققة، وأما الضرر المتوقع في الجملة فلو أوقفت الدعوة من أجلها لما دعا إلى الله داع.
صوت السلف: البعض يعتبر قلة عدد دخول السجن دليل إدانة والبعض يعتبر مجرد دخوله السجن دليل إدانة على وجود فكر تكفيري أو ما شابه ذلك، فما الجواب؟
الشيخ: ذكرت أن شعارنا في ذلك "والله لا يعطونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها"، ومن ثم لم نسع إلى صدام، ولذلك كانت فترات سجننا قصيرة وفي الغالب لأسباب خارجة عنا تماماً فالشيخ محمد تم القبض عليه في أحداث 80، وكذلك الشيخ أحمد حطيبة والشيخ أحمد فريد بسبب عدم حلق اللحية في الجيش، وتم القبض علي أنا والشيخ أحمد فريد والشيخ فاروق الرحماني رحمه الله بعد محاولة اغتيال أبو باشا، ومكثنا في المعتقل أشهر أو أكثر قليلاً، ثم قضية 94 ولم يمكث فيها الإخوة أكثر من شهر. ثم كانت القضية الأخيرة والتي طالت قليلاً للظروف التي أشرت إليها، وخرج إخوتنا تباعاً والحمد لله لم يبق منهم أحد وأود أن أزف البشرى لجميع إخواننا بخروج آخرهم قبل أيام ونسأل الله أن يفرج كرب جميع المسلمين.
صوت السلف: بالنسبة لك كم كانت مدة مقامك في السجن؟
الشيخ: سنة تقريباً.
صوت السلف: كيف رأى الشيخ تجربة السجن؟
الشيخ: والله تجربة السجن كان فيها رحمة من الله ـ سبحانه وتعالى ـ لأن الإنسان كان بدأ ينشغل انشغالاً شديداً جداً في العمل الدعوى فكان لا توجد فرصة للعبادة والذكر كما كانت موجودة في فترة السجن، وتوثقت العلاقة مع شخصيات كثيرة جداً وإخواننا الأفاضل الأحباء فكانوا في الحقيقة من الناحية الإيمانية جواً مفيداً جداً. ومن الناحية الدعوية الإنسان شعر بلا شك بفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ بتعمير المساجد وذكر الله ـ عز وجل ـ فيها، وكان الإنسان يشعر بألم شديد جداً حينما تأتي خطبة الجمعة، وهو يخطب في طرقة ويصلي في زنزانة فكان أمراً مؤلماً للنفس أن يحرم الإنسان من تعمير المساجد التي يحب الله ـ عز وجل ـ أن ترفع ويذكر فيها اسمه. من الناحية الإيمانية كما ذكرت، من الناحية الدعوية لا شك أن الإنسان استفاد من احتكاكه بالاتجاهات الإسلامية الأخرى وتقييم لعمل الجماعات الإسلامية الأخرى مثل الجماعة الإسلامية والجهاد وهذه الاتجاهات، وكان لنا بفضل الله تعالى مناقشات كثيرة معهم، وكان هناك الكثير جداً ممن تأثروا بهذه المناقشات، وبالفعل بدأت مراجعات يعني من أفراد منهم لطريقة تناوله للأمر، وبفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ وضح فيها مدى انضباط المنهج السلفي.
وبلا شك أيضاً أن الإنسان استفاد في طريقة ميزان المصالح والمفاسد، وأنه لا بد من مراعاة هذا الأمر بدقة وعدم التسرع. كنت أضرب للإخوة مثالاً ونحن في الداخل أن أموراً حصل فيها تسرع وإعجاب بحجم العمل الذي انتشر بسرعة جداً، لكن كان أشبه ما يكون بنفخ بالون من السهل جداً أن يثقبه أي شخص في أي وقت، ونحن لا نحتاج إلى هذا العمل الدعائي الضخم جداً، ولا الهيئات الإدارية الطويلة الشكل هذه التي في الحقيقة لا تثمر الفوائد المرجوة منها في ضوء عدم اكتمال الشخصية التي تقوم بالعمل في ذلك الوقت. مثل هذه الأشياء، وهي اكتمال الشخصية المسلمة المتكاملة التي هي في الحقيقة مفقودة في عامة الاتجاهات الإسلامية، هذا هو المناط الأول الذي لا بد أن نركز عليه، ونهتم بأن يكون هو هدفنا الأول، وهو وجود الشخصية المسلمة المتكاملة المستعدة والقادرة على تحقيق التعاون على البر والتقوى.
--------------------------------------------------------