الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله, وبعد:
إنّ الزواج من النعم والملاذ التي تشرئب إليه أعناق أقوام, فهو فطرة ربانية, تحمل في طياتها مقاصد شرعية.
وبعد أن عاينت مآسي كثير من إخواننا وأخواتنا الفواضل في زمن الغربة, مع عزوف البعض عن الزواج, وجنوح البعض إلى ذات المال والجمال, وتبقى التقيّة النقيّة حبيسة لأحزانها, رهينة لعدوان إخوانها عليها.
أردت أنّ أسدي هذه النصائح الغالية لشبابنا وأخواتنا لعل الله أن يجد فيهم قبولاً
وهذه وقفات سريعة, مع خاطر مكدود, ووقت شحيح, لا يجود:
أولاً: فاظفر بذات الدين تربت يداك.
إنّ رباط الزوجية رباط أبدي في حقيقته, ونيّته, فهو ليس اجتماع ساعات تنفض بعد قليل, بل هو كملازمة الجسم لظله, فإذا كان أحد الطرفين رقيق الدين, هش المكارم, فإن بناء الزوجية عما قليل سيتهدّم لا محالة.
فإذا كان الصاحب الذي تلقاه غباً -أحياناً- قد جاء تمثيله في الحديث بحامل المسك, ونافخ الكير, فهذا الوصف في حق الزوجين أصدق.
ويتأكد اختيار الزوجة الصالحة في هذا الزمن, لاعتبارات عديدة:
1- أننا في زمن متلاطم بأمواج الفتن:
وكم رأينا من أناس صالحين آثروا ذات الجمال والمال, مع ضعف دينها, قد غدوا بعد برهة من فساق القوم, بعد أن كانوا رياحين المساجد.
2- إنّ كثرة الخيانات على تباين أنواعها:
تجعل الطرفين يقفان ملياً قبل اختيار شريك الحياة, لأنّ المرأة مهما أحكمت وثاقها, كذا الرجل, إلا أن سبل الخنا والفساد في هذا الزمن قد اتسعت فلا يكاد يحصيها رقيب إلا الله جل في علاه.
3- إنّ الزوجة الصالحة هي التي تأمن معها على ولدك:
ومالك, وعرضك, وتصبر معك على ويلات الزمن, ومنحه, بخلاف من رقّ دينها, وإن جمل منظرها, فهي عما قليل سترميك, وترديك, إذا قلّ مالك, أو ضعف جسمك.
وقد قيل:
لا تقبلن من النساء مودة فقلوبهن سريعة الميلان
وقيل:
إذا شاب شعر امرئ أو قل ماله....... فليس له من حبهن نصيب.
4- إنّ المودّة المنشودة بين الزوجين مع طول السنين, لا توجد أبداً إلا بين الزوجين الصالحين:
قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
وانظر إلى وفاء النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجته خديجة رضي الله عنها, حتى بعد موتها بسنين.
أما ما يروجه دعاة الخلاعة والفجور, عن طريق الأفلام المدبلجة وغيرها, من حبّ زائف هو كسراب بقيعة, فإنّ الفتاة ستعض أنامل الندم بعد أن تنجلي عنها غبار الغفلة, والهيام, وانظروا إلى القصص المروعة بين الشباب والفتيات العشاق, كيف آلت أمورهم.
إذا انجلى عنك الغبار........ستعلم أتحتك فرس أم حمار.
5- التمس الغنى في الزوجة الصالحة:
وأقصد الغنى بمعنييه الحسيّ والمعنويّ, أما المعنويّ فقد تقدّم توضيحه.
أما الغنى الحسيّ فإن الزوجة الصالحة تكون في الغالب سبباً في غنى زوجها, ويشهد لذلك النصّ والواقع.
أما النصّ, فقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى" رواه ابن أبي حاتم في تفسيره.
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة حق على الله عونهم المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف" رواه الترمذي بسند حسن.
وفي مسند الصديق, أنّ رضي الله عنه قال: "ابتغوا الغنى في النكاح".
ولذا جرت عادة الناس إذا تزوج الرجل, أن يقال له: امرأة مربوحة, يعني دعاء بتحقق الربح والغنى من ورائها.
وهذا صحيح, يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: "إن تكن الطيرة في شيء ففي: الفرس و المرأة و الدار" (صحيح الجامع).
بمعنى قد تكون المرأة مجلبة للخير والرزق, وقد تكون العكس.
وهذا بسبب صلاحها أو فجورها في الغالب.
وكم رأينا من رجال أغنياء قد غدوا عالة فقراء بعد زواجهم, والعكس صحيح أيضاً كم من شباب فقراء أخلصوا النيّة وعفوا أنفسهم بالزواج بالصالحات ففتحت لهم أبواب الأرض والسماوات بعطاء رب البريات.
6- لا يمنع الشرع من التماس الرجل المرأة الجميلة إعفافاً لنفسه:
ولكن لا بد أن لا يغالي الشاب في هذا الأمر, كما ينبغي ألا يكون على حساب ذات الدين.
7- من التي ترعى بيتك, وتربي أولادك؟؟!!:
أليست الزوجة الصالحة حبيسة بيتها, المحتسبة الأجر عند ربها.
أما من غرها مالها وجمالها, وضعف دينها, فإنّها في سعي حثيث جرياً وراء رغباتها وميولها, مهملة لبيتها ولولدها, بل ولزوجها.
وكم رأينا بيوتاً كأّن الأشباح من ساكنيها, لرثاثة حالها, وكم أسفنا لحال أطفال كأنّهم غدوا يتامى, فقلي بالله أين أمهاتهم.
إنهن إما مع الخليلات مجتمعات, أو في الشوارع والأسواق متسكعات.
8- في زمن الغربة يحنّ الغريب إلى مثيله:
إننا في زمن ضيق فيه الخناق على أهل الاستقامة, فظلموا من مجتمعاتهم, بل ومن أقاربهم وذويهم, وكلّ ذلك متوقّع.
أما أن يأتي الظلم من أهل الاستقامة, فهذا الذي يملأ القلب كمداً وهماً.
وقد قيل:
وظلم ذوي القربة أشد مضاضة........ على النفس من وقع الحسام المهند
ولقدر جاءني بعض المستقيمين من رواد المساجد يوماً يستشيرني في خطبته لبنت رآها, فلما استفسرت عنها تبيّن لي أنها متبرّجة, فصعقت لذلك, فلما راجعته اعتذر لي بعذر أقبح من ذنب, فقال: إنّ الأخوات- أي: المستقيمات لا تعرفن التبعّل والتزيّن, وعبارة أخرى لا يحسن ذكرها- فنفيت له ذلك جملة وتفصيلاً.
فهذه المتبرجة قد سامت وجهها بقناطير المساحيق, فهي أشبه بمدية أعيد صنعها, ولو رأيت أكثرهن على الحقيقة لذهلت, ثم عددت له فوائد المرأة الصالحة.
ولكن الشاب كان مفتوناً.
ولم يلبث – والذي لا إله غيره- إلا شهراً واحداً حتى جاءني باكياً شاكياً من زوجته, ومن ظلمها وتعسفها بل ومن قبحها, فنصحته بالصبر والتريث, ثم طلقها بعد مرور شهر واحد فقط.
وفي المقابل تفضل بعض الصالحات أصحاب الجاه والأموال, وتترك الشاب العفيف المستقيم الطاهر, ثم تندم ولات حين مندم.
فقلي بالله من لهؤلاء النسوة الصالحات في زمن الغربة, إن لم يصنهن الشباب المستقيم, فمن يصونهن.
ولقد كانت تأتيني رسائل من أخوات صالحات, يتفطر لها القلب, وتدمع لها العين, فأين عقولكم, وأين نخوتكم أيها الشباب الصالحون؟؟؟.
وأقف عند هذا الحدّ, فلو أردت سرد فضائل الزوجين الصالحين, لطال المقام.
ثانياً: هل الكفاءة بين الزوجين مطلوبة؟؟.
وأعني بالكفاءة هنا, التوافق بين الزوجين في أمور عدّة, وهي:
1- التوافق العمري:
وأقصد بذلك أن يكون نوع توافق بين الرجل والمرأة في العمر, وهذا حتى يتسنى للطرفين أن يؤدي الحقوق للطرف الآخر.
فالرجل إذا كان مسناً والفارق بينه وبين المرأة كبيراً قد يكون ذلك سبب في ظلمها, أو انحرافها عند عجزه عن الإيفاء بحقوقها من المعاشرة.
وقد يعترض البعض بزواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنه, والفرق بينهما كبير, والجواب:
أ- أنّ الأصل في زواج النبي صلى الله عليه وسلم الخصوص كما قال الإمام الشافعي.
ب- أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان قوياً بحيث يأتي يطوف على أهله جميعاً في ليلة واحدة, وهذا لا يتأتى لغيره.
· وكذا المرأة ينبغي أن لا تتزوج بشاب يفرقها فرقاً شاسعاً في السنّ, لأن هذا الشاب في العادة سوف يتطلع إلا غيرها, بعد سنوات قليلة, وقد رأيت بعيني ذلك من بعض الشباب, رغم نصحي لهم.
كما أنّ المرأة الكبيرة تنظر إلى الشاب الصغيرة عادة, نظرة فوقية, مما يعكّر صفو الحياة الزوجية.
وقد يعترض البعض بزواج النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة وكانت تكبرها بسنوات كثيرة, والجواب:
أ- إنّ المشتهر بين الناس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم تزوّج خديجة وعمرها 40 سنة, وهو في سنّ 25, أي كان الفارق بينهما 15 سنة.
وهذه رواية الواقدي, والصحيح الذي دلّ عليه الدليل, أنّ خديجة كان عمرها حين زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم 28 سنة, بدليل:
-رواية ابن إسحاق, أنها كانت 28 سنة وهي أصح سنداً.
-أنّ خديجة رضي الله عنها أنجبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرين وأربعة إناث, والمرأة في الغالب تبلغ سن اليأس قبل الخمسين, وهذا ما يرجح رواية ابن إسحاق أي كان عمرها: 28 سنة.
ويرى بعض العلماء أن الفارق المناسب بين الرجل والمرأة يكون ما بين سنة إلى عشر سنوات.
2- التوافق التعليمي:
يحسن بالزوجين أن يكونا متوافقين أو متقاربين علمياً وثقافياً, فلو كانت المرأة متعلمة حاصلة على شهادة علياً وكان الزوج أمياً أو محدود العلم, فإنّ ذلك في الغالب يؤدي إلى عدم توافق الرؤى والمفاهيم.
3- التوافق الاجتماعي:
- لكلّ عاداته وتقاليده, والعرف له وزنه, ولذا لا يحسن بالشاب أن يتزوج بامرأة من غير بلدته, أو وطنه, لأنّ التوافق في اللهجة والعادات حريٌ بتوطيد العلاقة بين الزوجين.
وقد سمعت يوماً شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في مكة يقول: ينبغي للشباب أن يتخيروا الزوجة من أوطانهم فإنّ ذلك أحرى للأدمة والتوافق.
وأعرف بعض إخواننا من الشباب المستقيم, من تزوج من شرق أوروبا, وبعضهم من الشام, فكانت حياتهم عسرة, لعدم التوافق الاجتماعي.
زيادة على ما يكون من ظلم على أخواتنا الصالحات, فإذا يمّم الشباب وجهه شطر الشام, أو غيره, فمن لهن بعد ذلك؟؟!!.
هذا ما تيسّر تقييده في هذه العجالة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.