كيف أدفع عن نفسي ذنوب الخلوة؟!
السؤال:
السلام عليكم..
الحقيقة أنا شاب ملتزم ومَنَّ الله علي بالهداية منذ حوالي 4 سنوات.. لكني أعاني كثيراً من ذنوب الخلوات التي ستؤثر على استقامتي وقد تسبب - لا سمح الله - لي الانتكاسة.. حيث إني أنظر إلى الصور الإباحية إذا خلوت بنفسي، وأنظر إلى المردان.. وقد كنت مبتلى بحبهم قبل الاستقامة.. مع أني اجتهدت في دفعها عني بكل طاقتي.. أعينوني مأجورين.
الجواب:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذا السؤال من أشد الأسئلة على السائل والمجيب على حد سواء، إذ إن ذنوب الخلوات قل أن يخلو منها مؤمن، ولا يزال المؤمن في اجتهاد وتأهب دائم لمقاومتها والحرص على عدم الوقوع فيها والتوبة منها والإياب إلى الله سبحانه واستغفاره إلى أن يلقى ربه سبحانه وهو على ذلك.
ولك أن تعلم - أخي الكريم - أن هذا السؤال لا تسع الإجابة عليه بضعة أسطر يخطها أي منا بيديه في دقائق بل تحتاج إلى كتابات كثيرة ودقيقة وفاحصة كما فعل علماؤنا الأجلاء - رحمهم الله - إذ سُئل هذا السؤال بحر علوم زمنه الإمام ابن القيم - رحمه الله - فأجاب عليه في كتاب كامل وأسماه " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " وسماه بعضهم "الداء والدواء " فاحرص أخي الكريم على قراءته.
وللجميع العذر في الخوف والفزع من تلك الذنوب، فما من مؤمن إلى وهو يخشى من تبعات هذه الذنوب ومن الوقوف بين يدي علام الغيوب سبحانه عندما يسأله عن تلك الذنوب الخفية التي سترها العبد عن الناس وبارز بها رب الناس سبحانه وهو في خلوته، ففي الحديث الذي صححه الالباني في صحيح الترغيب والترهيب عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ الله عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا" قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ: "أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا".
ففي هذا الحديث تهديد ووعيد شديدان لمن جعل الله أهون الناظرين إليه وأهون المطلعين عليه وهو يذنب تلك الذنوب ثم يرتجف لو حرك الهواء بابا فظنه أحدا من الناس فكيف لا يستحيي من الله الذي خلقه ورزقه وأعطاه وأرخى ستره عليه فلم يفضحه ويكشف الستر ويظهر العيب؟!!
أخي الحبيب:
لا اعتقد أنك في حاجة لتذكيرك بكل هذا ولكنك تحتاج إلى أمور تسأل الله أن يعيننا جميعا عليها منها:
1- استشعار مراقبة الله سبحانه في كل قول وعمل ونظرة، وهذه مرتبة عالية يكفينا منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان فأجاب بقوله: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، أي أن تعبد الله عز وجل كأنك تراه أمامك فيوصلك هذا إلى دوام خشيته سبحانه وتعالى.
2- اليقين بعظم عفو الله وبرحمته التي وسعت كل شيئ وبتوبته على من تاب من عباده وأنه لا يزال يفتح بابا للتوبة لن يغلق إلا عند القيامة وينادي كل ليلة كما قال النبي الكريم " إنّ الله تعالى يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الأخير ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ حتى يطلع الفجر " رواه البخاري ومسلم.
3- دوام الاستعانة بالله سبحانه واللجوء إليه والفرار من غضبه إلى رحمته والعلم بان هذا من الشيطان ومن نفسك وأن عليك مجاهدتهما بكافة الطرق وأولها الاستعانة بربك الذي يملك نواصيهما فيروى الإمام ابن الجوزي ـ رحمه الله تعالى ـ قال: "حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا؟ قال التلميذ: أجاهده.قال الشيخ: فإن عاد؟! قال: أجاهده.قال الشيخ: فإن عاد؟! قال: أجاهده.فقال الشيخ: هذا يطول يا بني ولكن إن مررت بغنم فنبحك كلبها أو منعك من العبور فماذا تصنع؟ قال: أجاهده قال: يا بني هذا أمر يطول، استعن برب الغنم يكفك كلابه.
4- يمكنك الاستعانة بعد الله سبحانه بعدة أمور تحيل بينك وبين قضاء الساعات على هذه المواقع كأن تضع جهاز الحاسب في مكان مفتوح وألا تجعل له كلمة سر وكأن تنصب برنامجا لمنع المواقع الإباحية فتحول بينك وبين لحظة ضعفك
5- أن تتذكر دوما أن المرء يحشر مع من أحب ومع من كان يسر برؤيتهم ويفرح بهم فعل تقبل أن تحشر مع هؤلاء الذين يرتكبون كل الفواحش والمنكرات والمحرمات التي يشتد غضب الله على مرتكبيها؟
أسأل اله أن يجعلنا وإياك ممن ينتفع بتلك النصائح وأن يختم لنا بالصالحات.