كان سيدنا ثابت بن قيس الأنصاري رضي الله عنه سيد من سادات الخزرج في المدينة المنوّرة، وهو أحد السابقين إلى الإسلامِ، إذ ما كاد يَستمع إلى ءاياتِ القرءانِ الكريم يرتلها سيدنا مصعب بن عمير رضي الله عنه حتى شرح الله صدره للإيمان ونطق بالشهادتين وحسن إسلامه. وكان سيدنا ثابت رضي الله عنه خطيبَ الأنصار، إذ أول ما قَدِمَ الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنوّرة مهاجرًا استقبله سيدنا ثابت بن قيس في مجموعة من الفرسان وعاهدَ الرسولَ عليه الصلاة والسلام على الثبات على دين الإسلام والدفاع عنه. ويوم محاربة مسيلمة الكذاب كان سيدنا ثابت رضي الله من الثابتين على الحق الذين اندفعوا كالسيل الجارف وقاتلوا حتى قُتِلوا شهداء في سبيل الله، ولما مات رضي الله عنه كان عليه درع حديدية ثمينة، فمر به رجل من المسلمين فنزعها عنه وأخذها لنفسه، وهذا أمر مخالف للشرع، وفي الليلة التالية لاستشهاده رءاه رجل من المسلمين في منامه فقال للرجل: أنا ثابت بن قيس، فهل عرفتني، قال نعم. فقال له ثابت: "إني أوصيك بوصية، فإياك أن تقول هذا حُلُم فتضيعها، إني لما قتلت بالأمس، مرّ بي رجل صفته كذا وكذا، فأخذ درعي ومضى بها إلى خيمته في أقصى المعسكر من الجهة الفلانية، ووضعها تحت قِدْر له، ووضع فوق القدر السرج الذي يوضع فوق ظهر الحصان، فاذهب إلى خالد بن الوليد، وقل له أن يبعث إلى الرجل مَنْ يأخذ الدرع منه، فهي ما تزال في مكانها. وأوصيك وصية أخرى لا تضيعها، قل لخالد إذا قدمت على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا أبي بكر فقل له: إنّ على ثابت بن قيس مِنَ الدَيْنِ كذا وكذا، وإنّ فلانًا وفلانًا من العبيد المملوكين عندي، فليقضِ دَيني، وليعتق غلماني" فاستيقظ الرجل فأتى سيدنا خالد بن الوليد فأخبره بما سمع وما رأى، فبعث سيدنا خالد رضي الله عنه من يحضر الدرع من عند ءاخذها، فوجدها في مكانها وجاء بها كما هي، ولما عاد سيدنا خالد إلى المدينة المنورة حدّث أبا بكرٍ رضي الله عنه بخبر ثابت بن قيس ووصيته فأجاز الصّدّيق وصيته. رضي الله عن ثابت بن قيس وأرضاه ونفعنا ببركاته ونفحاته....