اللحية سنة مؤكدة ، يستحب توفيرها وإطلاقها وتهذيبها وترجيلها وتدهينها وتطييبها وعدم التعرض لها إلا ما زاد عن قبضة اليد ، وهي مظهر من مظاهر الوقار ، وشعيرة من شعائر الدين ، وما زال المسلمون يعتنون بها من لدن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ، وقد جاءت النصوص حاثة على توفيرها ، من ذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى ) . [ رواه مسلم ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ) . [ رواه مسلم ] .
وهناك رواية : ( وأوفوا ) ، وأخرى : ( وأرجوا ) ، وأخرى : ( ووفروا ) . فحصل أن هناك خمس روايات كلها تأمر بتوفير وإطلاق اللحية وتركها على حالها مما يدل على أهمية اللحية ومنزلتها في الدين .
وهذه الأوامر محمولة على الاستحباب المؤكد لا الوجوب والحتم ؛ لأن الأمر الوارد على الشيء التحسيني والتزييني يحمل على الندب والاستحباب المؤكد وذلك مثل الأمر في الاختضاب والصبغ والأمر بلبس الأبيض من الثياب .
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاختضاب ولبس الأبيض ، ووجد من الصحابة من لم يخضب ولم يلبس البياض ، والخضب ولبس الأبيض شيء تحسيني ، مما يعني أن الأمر على الأشياء التحسينية محمول على الندب .
قال القرضاوي : " فإن الأمر لا يدل على الوجوب جزماً وإن علل بمخالفة الكفار ، وأقرب مثل على ذلك هو الأمر بصبغ الشيب مخالفة لليهود والنصارى ، فإن بعض الصحابة لم يصبغوا ، فدل على أن الأمر للاستحباب ، صحيح أنه لم ينقل عن أحد من السلف حلق اللحية ، ولعل ذلك لأنه لم تكن بهم حاجة لحلقها وهي عادتهم " . [ الحلال والحرام ص94 ] .
والذي يدل على سنية إعفاء اللحية أيضاً أن الشرع الحنيف اعتبرها من الفطرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عشر من الفطرة : منها إعفاء اللحية ) ، والمراد بالفطرة : السنة ، لأنه ورد في نص آخر التعبير بالسنة بدلاً من الفطرة ، مما يعني أنهما سيان مترادفان ، ففي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من السنة قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار ) ، وأصح ما فسر به غريب الحديث تفسيره بما جاء في رواية أخرى لا سيما في صحيح البخاري . [ المجموع 1/284 ] .
لذا يتضح من مجموع ما سبق استحباب إعفاء اللحية وكراهية حلقها كما هو المعتمد عند الشافعية . انظر : [ نهاية المحتاج (27/242) ، المجموع (1/284) ، شرح النووي على مسلم (1/418) ، حاشية القليوبي 4/205].
وإلى القول بالكراهة ذهب من المعاصرين : د. القرضاوي ، ود. وهبة الزحيلي ، وجاد الحق علي جاد الحق . انظر : [ الحلال والحرام ص94 ، فتاوى معاصرة للزحيلي ص311 ، فتاوى الأزهر (2/166) ] .
في هذا المقام نذكر بأنه لا يجوز الحكم على الأشخاص بناء عليها ، ولا يجوز تجريم وتبديع وتفسيق الناس لتركهم هذه السنة مع ضرورة حثهم وحملهم على الامتثال لها بالحسنى والموعظة الطيبة ، وليسع بعضنا البعض لا سيما في مثل هذه المسائل الخلافية والتي فيها سعة على الناس .
فمن الناس من جعل مسألة اللحية قضية الأمة وشغلها الشاغل ونسي القضايا الكبرى وأساسيات الدين ، فالحكمة تقتضي عدم الإنكار في المسائل الخلافية والتي فيها الخلاف ظاهر ، والاهتمام بالكبريات وعظام الأمور وتوحيد الأمة عليها وحملهم على التمسك بها .
والله تعالى أعلم - المجلس الإسلامي للإفتاء