لقد ذهب العلماء والناس في ليلة النصف من شعبان وكيفية إحيائها مذاهب شتى , وبعضهم غالى في هذه الليلة وابتدع فيها من العبادات والصلوات ما لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم , ونبين فيما يلي مذهب جمهور العلماء في ذلك ونتبناه :
إحياء ليلة النصف من شعبان :
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى ندب إحياء ليلة النصف من شعبان في ( مراقي الفلاح ص218 , وحاشية ابن عابدين 1/460 , شرح المنهاج 2/127 ) .
وقال البهوتي في ( الروض المربع 1/225 ) : ولا يقومه – الليل – كله إلا ليلة عيد ويتوجه ليلة النصف من شعبان .
ويقول صاحب ( إعانة الطالبين 2/270 ) – الشافعي المذهب – : إن الأعمال تعرض على الله تعالى ليلة النصف من شعبان وهذا قوله : والمراد عرضها – الأعمال – على الله تعالى أي إجمالاً سواء كان عرض الأثنين والخميس أو ليلة النصف أو ليلة القدر , فالفرق إنما هو في الإجمال والتفصيل , فعرض الأثنين والخميس على الله تعالى إجمالي وكذا عرض ليلة النصف من شعبان .
استدل الجمهور بما يلي :
قوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول : ألا من مستغفر فأغفر له , ألا مسترزق فأرزقه , ألا مبتلى فأعافيه ... كذا ... كذا ... حتى يطلع الفجر ) . [ رواه ابن خزيمة ] .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يطلع ليلة النصف من شعبان , فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ) . [ رواه ابن ماجة 1/445 , وحسنه الشيخ الألباني ورواه ابن حبان في صحيحه 12/418 ] .
وعن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا لاثنين مشاحن وقاتل نفس ) . [ رواه ابن حبان في صحيحه 5665 , قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح بشواهده ] .
قال صاحب ( تحفة الأحوذي 3/ 367 ) : فهذه الأحاديث بمجموعها حجة على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء .
الاجتماع لإحياء النصف من شعبان :
ذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة الاجتماع لإحياء ليلة النصف من شعبان , نص على ذلك الحنفية والمالكية ( مراقي الفلاح ص219 , مواهب الجليل 1/74 ) وصرحوا بأن الاجتماع عليها بدعة , وعلى الأئمة المنع منه , وهو قول عطاء بن أبي رباح وابن ملكية وذهب الأوزاعي إلى كراهة الاجتماع لها في المساجد للصلاة لأن الاجتماع على إحياء هذه الليلة لو ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه .
تنبيه وتحذير :
قال في ( تحفة الأحوذي 3/367 ) : قال القارئ في ( المرقاة ) : اعلم أن المذكور في اللآلئ أن مائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشر مرات في كل ركعة مع طول فضله للديلمي وغيره موضوع , وفي بعض الرسائل قال علي بن إبراهيم ومما أحدث في ليلة النصف من شعبان الصلاة الألفية مائة ركعة بالإخلاص عشراً عشراً بالجماعة واهتموا بها أكثر من الجمع والأعياد لم يأت بها خبر ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع ولا تغتر بذكر صاحب القوت والإحياء وغيرهما ,وكان للعوام بهذه الصلاة افتتان عظيم حتى التزم بسببها كثرة الوقيد وترتب عليه من الفسوق وانتهاك المحارم ما يغني عن وصفه حتى خشي الأولياء من الخسف وهربوا فيها إلى البراري .
وأول حدوث لهذه الصلاة في بيت المقدس سنة ثمان وأربعين وأربعمائة , قال : وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب – المبتدعة في رجب – ونحوها شبكة لجمع العوام وطلباً لرياسة التقدم وتحصيل الحطام , ثم إنه قام لله أئمة الهدى في سعي إبطالها فتلاشى أمرها وتكامل إبطالها في البلاد المصرية والشامية .
وقد أنكر الشافعية تلك الكيفية واعتبروها بدعة قبيحة , وقال الثوري هذه الصلاة بدعة موضوعة قبيحة منكرة .
قال ابن رجب الحنبلي في ( لطائف المعارف ص199 ) : انه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء , ولا يكره أن يصلي فيها بخاصة نفسه , وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم , وهذا الأقرب إن شاء الله تعالى .
وقال في ص200 : فينبغي للمؤمن أن يتفرغ تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب وأن يقدّم على ذلك التوبة فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب .
والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء