بقلم الأستاذ الدكتور نظمي خليل أبو العطا أستاذ العلوم جامعة عين شمس
يدعي العَلمانيون (بفتح العين) والدروانيون المستغربون من بني جلدتنا أنهم دعاة التنوير في الديار العربية والإسلامية , ويصل بهم غرورهم إلى وصف المتدينين من المسلمين بالظلاميين وهذا افتراء على دين الله والمتدينين , فالإسلام هو الذي حرر الإنسان من الأهواء وعبودية المادة وأخرجه من ظلمات الشرك والجاهلية إلى نور التوحيد والهداية الإلهية كما قال تعالى: " اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " { البقرة 257}.
فبعد أن بين الله تعالى في الآية السابقة لهذه الآية التي قال الله تعالى فيها: " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " (البقرة/256)، وقال تعالى: " اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ " (البقرة/257).
فأخبر تعالى أن الذين آمنوا بالله، وصدقوا أيمانهم، بالقيام بواجبات الإيمان، وترك كل ما ينافيه، أنه وليهم، يتولاهم بولايته الخاصة، ويتولى تربيتهم، فيخرجهم من ظلمات الجهل (والجاهلية) والكفر والمعاصي والغفلة والإعراض إلى نور العلم واليقين، والإيمان، والطاعة والإقبال الكامل على ربهم وينور قلوبهم بما يقذفه فيها من نور الوحي والإيمان، وييسرهم لليسرى ويجنبهم العسرى.
أما الذين كفروا، فإنهم لما تولوا غير وليهم، ولاهم الله لأنفسهم وخذلهم ووكلهم إلى رعاية من تولاهم، ممن ليس عندهم نفع ولا ضر، فأضلوهم وأشقوهم، وحرموهم هداية العلم النافع والعمل الصالح، وحرموهم السعادة، وصارت النار مثواهم خالدين فيها مخلدين. (تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبدالرحمن بن السعدي رحمه الله).
هذا هو التنوير الحقيقي لأنه نور الله المؤدي إلى طاعة الله، وتحكيم شرع الله في الحياة وما عدا ذلك ففي ضلال مبين وظلام دامس ظلام الأهواء والشهوات بقيادة الشيطان الذي زين لهم الكفر والفسوق والعصيان فسعروا الشهوات واتخذوا المراة سلعة يحررونها من دين الله ليتاجروا في بدنها وعرضها ويتخذوها مطية لأغراضهم (الدنيئة) فأصبحت المراة عندهم سلعة تباع وتشترى باسم الفن، وباسم الحرية، وباسم الإعلام المتحرر من شرع الله وضوابطه، أصبحت المرأة سلعة لها وقت انتهاء صلاحية، فصلاحيتها تنتهي بتقدم سنها وأفول نضارتها وذهاب حيويتها، وأطلقوا لشهواتهم العنان فأباحوا المثلية في المعاشرات الجنسية، وأباحوا الإجهاض، والزنا، ومعاشرة الحيوان، كما أباحوا الربا، وأكل الميتة، وشرب الخمر، ولعب القمار والميسر، ومخادنة المحارم، ومن جهلهم وكذبهم سموا ذلك التنوير، كما قال الله تعالى عنهم: " وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (الأنعام/39).
أنهم كما قال الله عنهم: " وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ " (محمد/12)، فهم يتفننون في التمتع في الحياة الدنيا ويأكلون كما تأكل الأنعام , وفي النهاية مأواهم النار. وقد قال الله تعالى: " اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " (النور/35)، وقال أبي بن كعب: مثل نوره في قلب المسلم وهذا هو النور الذي أودعه الله في قلب عبده من معرفته ومحبته والإيمان به وذكره وهو نوره الذي أنزله إليهم فأحياهم به وجعلهم يمشون به بين الناس، وأصلة في قلوبهم، ثم تقوى مادته فتزداد حتى تظهر على وجوههم وجوارحهم وأبدانهم، بل ثيابهم، ودورهم، يبصره من هو من جنسهم، وإن كان سائر الخلق له منكرا، فإذا كان يوم القيامة برز ذلك النور، وصار بأيمانهم يسعى بين أيديهم في ظلمة الجسر حتى يقطعوه وهم فيه على حسب قوته وضعفه في قلوبهم في الدنيا (التفسير القيم للإمام ابن القيم).
وكما قال ربعي بن عامر لرستم (أن الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله , ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام) (أنظر التاريخ الإسلامي مواقف وعبر، عبدالعزيز الحميدي طبعة دار الدعوة) (1988) (ج،10 –ص 414).
هذا هو التنوير الحقيقي، وهذا هو التحرير الحقيقي، وما عداه وهم مآله إلى الزوال كما زالت الشيوعية والدروينية والفرويدية وكل هذه الظلمات التي يقود أهلها الشيطان ومن لا مولى لهم.