أخي العزيز،أيها المسلم من أجل الإسلام في كل مكان يا من يقلب وجهه في السماء ويعمل فكره في الكون باحثاً عن الطريق الصحيح لعودة أمة الإسلام.. إني أشاركك حيرتك وهمومك وتطلعاتك.. لقد عانيت ما تعاني، فتعال نبحث معاً في هدوء دون أن أضيق بك أو تضيق بي.. نعم لن أضيق بك يا أخي العزيز فإني أستبشر خيرًا باهتمامك وتطلعك وتفكرك من أجل عودة أمة الإسلام، وإني أرى نفسي فيك، فقد مشيت معك هذا الدرب ومررت على ثغراته ومَنَّ الله علي بمعرفة كثير من مسالكه ومنعطفاته، لن أطلب منك أن تكون أسير فهمي أو فهم غيري، لن أزعم لك أني أحتكر الفهم الصحيح وحدي.. لكني أدعوك دعوة هادئة إلى كتاب الله عز وجل الذي أنزل ليمنحنا الحياة {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [سورة الأنفال: 24].
إنك - يا أخي العزيز - تتفق معي أن هدفنا في الحياة قد حدده الله عز وجل بقوله: {ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات: 56]... عبادة الله وحده لا شريك له.. وأن الناس إذا انحرفوا عن هذا الهدف كان على المسلمين أن يعيدوهم إلى دائرة الالتزام به.. وعليه فمهمتنا هي تحقيق عبودية الإنسان كل الإنسان في الأرض كل الأرض لله رب العالمين.
واعلم -يا أخي العزيز- أنك تحزن وأنا أحزن معك من هذه الغربة الثانية للإسلام «بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء» [رواه البخاري].. «يصلحون ما أفسد الناس» [رواه الترمذي].
وتسعى وأسعى معك من أجل أن نصلح ما أفسد الناس ونغير هذا الواقع ونعيد أمة الإسلام إلى الخيرية التي أرسلت من أجلها {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [سورة آل عمران: 110].
وهكذا يا أخي تجمعني معك أخوة الإسلام والرغبة في عودة أمة الإسلام إلى المقدمة في قيادة الأمم .. ويجمعني معك شعور كلانا بالغربة، غربة الإسلام بين أهله.. واتفاقك واجتماعك معي في هذه المقدمات هو ما دعاني اليوم أن أحدثك بكل بساطة وكما يتحدث الأخ إلى أخيه في موضوع تدفعنا إليه تلك الصحوة الإسلامية المباركة التي تسير في طريق عودة الأمة إلى الله لكي تصبح أمة مسلمة تستحق نصر الله ورضوانه.
أخي العزيز.. تتفق معي أن نزول هذه الأمة من عليائها كان وفق سنن ربانية مفادها أن الله عز وجل لا يمكن للناس حتى يستقيموا على عهده {عَدَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَذِي ارْتَضَى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} [سورة النور: 55]...تتفق معي في ذلك؟!... فهل تؤمن معي أن عودة هذه الأمة تخضع لسنن معينة أيضاً؟!... إذا كنت تؤمن بذلك، فأنت رجل يؤمن بإمكانية التغيير.. وهذا يدعوني إلى أن أقرر أمراً هنا أراك لا تخالفني فيه وهو أن التغيير يخضع لعلاقة بين الهدف والوسيلة.. فإذا كنا نريد عودة الأمة المسلمة فهذا هدف له وسائل توصل إليه.. وإنه من الخطأ كل الخطأ أن نتصور أن نجاحنا في تحقيق هدفنا يمكن أن يحدث بطريقة سحرية غامضة الأسباب؟!
قد تقول -يا أخي العزيز - إن ما نملكه من وسائل لا يكفي لنصل إلى هدفنا، وإننا في حاجة إلى إمكانيات أكبر، وهذه الإمكانيات غير متوفرة لدينا الآن؟.. وأنا أوافقك على ذلك،.. ولكن إذا كنا لا نملك الآن ما يمكننا من الوصول إلى هدفنا هل نتوقف عن العمل حتى تتدخل القوة الخارقة الغامضة الأسباب لتوصلنا إلى هدفنا؟!.. أم أن المطلوب منا هو العمل قدر الوسع والطاقة واستخدام الوسائل التي نملكها.. وما وراء ذلك من أمور أرادها الله بمشيئته المطلقة وحكمته البالغة فالله أعلم متى يهب النصر ويمكَّن لمن يستحق من عباده.
أخي العزيز: إن علينا أن نعلم أن الحركة الإسلامية تخضع لسنن الله العامة التي تشمل البشر جميعاً مؤمنهم وكافرهم، والإيمان والالتزام بعقائد أهل السنة والجماعة دون الأخذ بالأسباب المادية للنصر لا يضمن النصر والظهور والتمكين في الأرض.
والآن - أخي العزيز - هل اتضح عندك ما أردت الوصول إليه.. إنه بكل بساطة ووضوح وتحديد إقرار لفكرة "المنهجية في العمل الإسلامي" فبين الحركة وبين هدفها منهاج عمل يلعب دوراً كبيراً في تحقيق ذلك الهدف، والمنتصر في أمور الدنيا هو من يملك في تحركه منهاجاً واضحاً سواء كانت أهدافه سليمة أم لا.. فالدنيا ليست للمؤمنين فقط {كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاءِ وهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} [سورة الإسراء: 20]...
وللدنيا قوانينها وأسبابها، ومن قوانين الدنيا أن الذي يمتلك منهاجاً واضحًا في العمل هو الذي ينجح في الوصول إلى الهدف،.. والمنهاج الذي نريده لحركتنا منهاج يأخذ بالإمكانات المتوفرة حالياً للحركة ليصل إلى أهداف معينة، بينما هو يسعى للحصول على إمكانات أخرى توصل إلى الهدف الأكبر.
أو بعبارة محددة وبسيطة منهاج قوامه: "الاستفادة من الإمكانات حسب الظروف للوصول إلى الأهداف مع حساب الاحتمالات ومحاولة إيجاد الحل لكل احتمال".. (وتفصيل ذلك له مقام آخر).
ولكني أريد أن أقول لك - يا أخي العزيز - إن الله تعالى قال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي} [سورة يوسف: 108]، فالتحرك الإسلامي يجب أن يكون واعياً صادراً عن خطط مدروسة، وإعداد محكم، واستراتيجية كاملة واضحة تغطي كافة مراحل التحرك وتدرس الواقع من جميع جوانبه.. فإذا كانت كذلك فإن التحرك يكون صحيحاً.. ويكون مؤثراً.. ويكون مُبْلِغًا الهدف بإذن الله.. ويكون لحركتنا شرف أذان الفجر في ليل الشتاء الطويل الذي نعيشه وتعيشه أمتنا.. وسيجيء هناك الحق ويزهق.
________________________
مجلة البيان العدد 11 صفحة 41
مـــ ماجده ـلاك الروح