وثمة بعض الأشياء التي يجب علمها كي تتبع على بصيرة، وكي تحقق صحيح الاتباع:
الاتباع الصحيح للنبي صلى الله عليه وسلم هو ما كان في الاعتقاد والعمل والسلوك، فلا يُقتصر على الاتباع فقط في العقيدة دون العمل أو دون السلوك الحسن والخُلُق الطيب، وإن من يتشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في ظاهره فقط، وأخلاقه سيئة وعلى خلاف السنة سيكون مصدرًا للصد عن سبيل الله، فلابد من التشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا، وسيرة وسريرة.
ونبينا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
«لا نبي بعدي» [رواه البخاري ومسلم]، ومن قال إن هناك نبيًّا بعد نبينا فهو كافر إجماعًا لأنه مكذب للقرآن والسنة وإجماع المسلمين، ومن لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم فهو كافر حتى لو كان يهوديًّا أو نصرانيًّا، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
«والذي نفسي محمد بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار» [رواه مسلم].
قال العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في
(شرح أصول الإيمان): "والإيمان بالنبي – صلى الله عليه وسلم -: "تصديق ما جاء به مع القبول، والإذعان، لا مجرد التصديق، ولهذا لم يكن أبو طالب مؤمنًا بالرسول صلى الله عليه وسلم مع تصديقه لما جاء به وشهادته بأنه خير الأديان".
فيجب الإذعان لشريعته صلى الله عليه وسلم التي هي في الحقيقة أوامر الله تعالى، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، لذلك جعل الله طاعة الرسول طاعتَه، فقال تعالى:
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]. فيجب الإذعان له والتسليم لأوامر الله، وتحكيم شريعته في كل صغيرة وكبيرة؛ ومن نحَّى شريعته وألقاها وراءه ظهريًّا وحكم بغيرها فقد كفر وهذا هو الحكم العام،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في
(مجموع الفتاوى (28-524)): "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين، أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب".
(راجع "حكم الجاهلية" للعلامة أحمد شاكر، ط:مكتبة السنة، و"فضل الغني الحميد" للشيخ ياسر برهامي حفظه الله، باب الحكم).
والاستهانة بأمر من أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، أو الاستهزاء بسنته هو من شيم أهل الكفران والإلحاد، مهما صغر أو دقَّ في نظر من يسخر، فاللحية مثلا واجبة وحالقها يأثم على قول المذاهب الأربعة وغيرها، والاستهزاء بها يدخل فيما قلناه وهكذا، ويجب عند الاختلاف الرجوع إلى سنته صلى الله عليه وسلم، قال الله جل وعلا:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] وأولو الأمر هم الحكام الشرعيون والعلماء الربانيون.
ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا:
(1) اتباعه في كل صغيرة وكبيرة من أمور حياتنا.
(2) ألا يُخاطب كباقي الناس؛ ولكن نقول: رسول الله، أو نبي الله، أو ما شابه ذلك، قال الله سبحانه:
{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
(3) أن نسأل له الوسيلة، قال صلى الله عليه وسلم:
«إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول . ثم صلوا عليَّ؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة» [رواه مسلم].
(4) الإكثار من الصلاة والسلام عليه، قال الله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
(5) المحافظة على سنته، والدعوة إليها.
(6) الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم بكل مُستطاع.
ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يدعو لصلة الأرحام، وحسن الخلق، وإكرام الضيف، والجار، وبر الوالدين، وتفريج كربات الناس ومساعدتهم، وإتقان العمل، وتحمل المسؤولية، وطيب الكلام، وبذل السلام، والرفق بالحيوان، والعطف على اليتامى، وحب المساكين، والإنفاق في سبيل الله على المحتاجين، والاعتصام وعدم التفرق وجمع الشمل والكلمة، واجتناب الفواحش والمسكرات وكل ما يضر الإنسان، وكان يدعو إلى التيسير على الناس وتبشيرهم بالخير، والإحسان إلى الكبير والصغير، وكان يأمر بكل حسن وينهى عن كل قبيح.
ولابد من فهم الكتاب والسنة بفهم السلف وهم صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، وأئمة الهدى في القرون الثلاثة المفضلة، ويُطلق على كل من اقتدى بهؤلاء وسار على نهجهم في سائر العصور: سلفي، نسبة إليهم، وهذه هي الفرقة الناجية، وهم الطائفة المنصورة، وأهل السنة والجماعة، أو أهل الأثر، أو أهل الحديث، وهم من كانوا على مثل ما كان عليه النبي وأصحابه، وسُموا أهل السنة لتمسكهم بها، وسُموا الجماعة لاجتماعهم على الحق وعدم تفرقهم، واجتمعوا على الأئمة الشرعيين، وعلى ما أجمع عليه سلف الأمة، وأهل السنة والجماعة يتميزون بالاهتمام بكتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتمييز الصحيح من الضعيف من الأحاديث لأنها و القرآن مصدرا التشريع والتلقي، وأهل السنة يؤمنون بالكتاب كله ويردون محكمه إله متشابهه، ويجمعون بين العلم والعمل، ولا يبتدعون في الدين كما سبق، وهم وسط بين الإفراط والتفريط، وهم الدعاة إلى الله، ولا يوالون أو يعادون إلا على الكتاب والسنة، وهم أهل الجهاد بالسيف واللسان والمال وكل شيء، ويحكمون شرع الله وينكرون على من أعرض عنه، وهم أهل العدل والإنصاف، ويهتمون بأمر المسلمين في كل مكان، ولا يؤمنون بالوطنية ولا الديموقراطية ولا العلمانية ولا الحزبية ولا القومية، وهم يعرفون الحق ويرحمون الخلق، وهم متوافقو المواقف رغم بعد الأقطار والأعصار، ويختلفون الخلاف السائغ، ولا يجعلهم هذا يكرهون بعضهم بعضًا
(اقرأ رسالة "مجمل أصول أهل السنة والجماعة" للشيخ ناصر العقل).
ولابد من قبول كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان آحادًا، ويؤخذ به في كافة الأحكام ومنها العقائد، ولا يجوز مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد مهما بلغ من الإمامة في الدين، وإذا تعارض العقل مع الكتاب والسنة، نقدم الكتاب والسنة ونتهم عقولنا فنحن لا نعلم ما يصلحنا، أما الله فهو الحكيم الخبير، ولا أحد معصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ادعى العصمة لأحد بعد النبي كفر، والصحابة هم أفضل الناس بعد الأنبياء، وهم مجتهدون في الخلاف القليل الذي حدث بينهم، وللمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد، رضي الله عنهم أجمعين.
وإليك بعض أقوال السلف الصالح في شأن اتباع السنة، لكي تتحصل على حب الله تعالى لك باتباعها:
(1)
قال ابن عباس: "عليك بالاستقامة, اتبع ولا تبتدع".
(2)
قال ابن مسعود: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم".
(3)
قال الإمام أحمد: "من علم طريق الحق سهل عليه سلوكه, ولا دليل على الطريق إلى الله إلا متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحواله وأقواله وأفعاله".
(4)
قال السّفاريني: "فدع عنك مذهب فلان وفلان وعليك بسنة ولد عدنان، فهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها والجنة الواقية التي لاانحلال لها".
(5)
وقال الأوزاعي: "ما ابتدع رجل بدعة إلا سُلب الورع".
(6)
قال الجُنيد: "الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم".
(7)
قال البربهاري: "واعلم رحمك الله أن العلم ليس بكثرة الرواية والكتب، إنما العلم من اتبع العلم والسنن وإن كان قليل العلم والكتب، ومن خلفَ الكتاب والسنة فهو صاحب بدعة وإن كان كثير العلم والكتب".
(
قال ابن المبارك: "لا يظهر على أحد شيء من نور الإيمان إلا باتباع السنة ومجانبة البدعة".
(9)
قال عبد الرحمن بن أبي الزناد: "ما كان الرجل يعد رجلاً حتى يعرف السنة".
(10)
قال الشافعي: "أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد".
(11)
كان مالك يقول: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة؛ لأن الله يقول "اليوم أكملت لكم دينكم" فما لم يكن يومئذٍ دينًا فلا يكون اليوم دينًا".
(12)
قال ابن القيم: "ترى صاحب اتباع الأمر والسنة قد كُسي من الرَوَح والنور ومايتبعهما من الحلاوة والمهابة والجلالة والقبول ماقد حُرِمه غيره".
(13)
قال ابن أبي العز: "والعبادات مبناها على السنة والاتباع لا على الهوى والابتداع".
(14)
قال أبو إسحاق الرقي: " علامة محبة الله: إيثار طاعته ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم".
(15)
قال ابن تيمية: "من فارق الدليل ضلّ السبيل, ولا دليل إلا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم".
(16)
قال سفيان: "لا يُقبل قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بمتابعة السنة".
(17)
قال مالك: "السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك".
وإليك أمثلة عملية من متبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبيه:
( 1) عندما حلَّ النبي صلى الله عليه وسلم ضيفًا على أبي أيوب الأنصاري، نزل النبي صلى الله عليه وسلم في الطابق الأسفل، وأبو أيوب في العلو، فانتبه أبو أيوب ليلة فقال: نمشي فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم! فتنحوا فباتوا في جانب، أي باتوا ليلتهم في مكان ليس فوق النبي مباشرة . ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم أن يصعد أعلى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«السفل أرفق» فقال: لا أعلو سقيفة أنت تحتها. فتحول النبي صلى الله عليه وسلم في العلو وأبو أيوب في السفل. فكان يصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعامًا. فإذا جيء به إليه سأل عن موضع أصابعه، فيتتبع موضع أصابعه، فصنع له طعامًا فيه ثوم. فلما رد إليه سأل عن موضع أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: لم يأكل، ففزع وصعد إليه فقال: أحرام هو ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«لا، ولكني أكرهه» قال: فإني أكره ما تكره، أو ما كرهت. [رواه مسلم]
(2) لما رأى عبدُ الله بن عمر النبيَّ صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي ولا يركب، فكان عبد الله بن عمر كل سبت يخرج من بيته إلى مسجد قباء ماشيًا.
(3) وكان يأتي الغريب ولا يعرف النبي إلا بأوصافه فيحتار فيه، من قوة تشبه الصحابة الكرام به.
وللحديث بقية عن سبب آخر من أسباب محبة الله تعالى للعبد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وأستغفر الله من كل نية فاسدة وعمل مشين، واسأل الستر والسلامة في الدنيا ويوم الدين.
بقلم/ معتز رضا زاهر
مـــ ماجده ـلاك الروح