الإجابات ساطعة! من هذا الذي لا يراها؟ إنّ ذلك هو ما تم حرفياً.. فظهر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم (المولود عام 571 م) نبياً للأمم عام 610 م (على الأربعين من عمره).. أي بعد 1196 عاماً (586 + 610) أواثناعشر قرناً تماماً من بداية العصور الأربعة (المداخل) لعقاب الله لأبناء ابراهيم عليه السلام بسبب معاصيهم.. تلك العصور الأربعة التي انتهت بانتزاع المسلمين للأرض المباركة (فلسطين) من الحكم الروماني بعد معركة اليرموك في 20 أغسطس عام 636 م، أي بعد 1222 عاماً أو اثني عشرقرنا من بدايتها بهدم القدس عام 586 م.. كل ذلك مصدقاً تماما لهذه النبوة بأن النبي الرحمة سيظهر بعد اثني عشر قرناً من عصور الممالك الأربع التي سينتهي حكمها كذلك بعد اثني عشر قرناً من بدايتها بهدم القدس عام 586 م.
تلك رحمة الله بالمؤمنين وببني إسرائيل وأبناء ابراهيم عليه السلام، كما صرح هاهنا بأنه (أي هذا الرجل المبتعث) هو راحتهم، وكما صرح بالقرآن الكريم لموسى عليه السلام أنه سيخفف عن بني إسرائيل الأغلال التي وضعت عليهم: ".. ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم .." الأعراف الآيات 156- 157، بل هو رحمة للأمم " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" الأنبياء 107..
حقيقةً لا يملك الذين يكرهون الاسلام مناصاً عن الإقرار إلا أن يزعموا بأن هذه الرؤيا هي من وضع المسلمين! وعندها فلا بد أن يزعموا نفس الزعم عن كتاب دانيال بفصوله الثاني والسابع والتاسع وعن رؤيا الأسابيع بكتاب دانيال وعن وصية لاوي وأمثال المسيح عليه السلام وعن بقية البشارات المناقشة بهذا الكتاب وبغيره!
مَن نبي غير محمد بن عبدالله: نبياً هو من أبناء ابراهيم عليه السلام يظهر من بين الوثنيين عبدة الأصنام في الفترة التالية لهدم الهيكل خلال العصر (المملكة) الرابع من عصور الممالك الرابع، وبالتحديد على تمام اثناعشر قرناً من بداية عصور الممالك الأربع التي اضطهدت بني إسرائيل بإذن الله لمعاصيهم!
ثم هو راحة لكل ابناء ابراهيم بما فيهم بنوإسرائيل لو كانوا يعلمون، بل هو رحمة لكل أمم الأرض، وستتبعه الأمم وإن كان متبعيه من اليهود قليل.. ومن خلاله تحقق وعد الله لابراهيم عليه السلام في زيادة ابنائه حتى يكونوا كالنجوم لا يُحصون من كثرتهم.. وهو الوعد المذكور في هذه الرؤيا ( في الفقرة الأخيرة منها) وبالتوراة.. جأ أتباع المصطفى عليه الصلاة والسلام يحملون اسماً جميلا هو من اصطفاء الله لهم كما تشير النبوة أعلاه:
“such as are called by me” قال تعالى: "هو سماكم المسلمين من قبل".. ومن خلال أصحابه (أصحاب المصطفى) تم عقاب الأمم المستبدة الكافرة وهو ما تكرر ذكره بنبوات أخرى مستعرضه بهذا الكتاب.. ومن خلال المصطفى عليه الصلاة والسلام عادت أممٌ كثيرة لاتعرف الله إلى الله عزوجل واليه انتسبت.. تماماً كما ذكر بالرؤيا.. وبه تشبه أبناؤها وبه اقتدوا.. وسيُحيي هو بذكر الله أرضاً بالصحراء (مكة) مُعدّةً منذ القدم لهذا الغرض.. فتُقدم بها الأضاحي قرابين لله تعالى كل عام (تماماً كما ذكر بالرؤيا)..
لو عدلوا لأقروا بأن إضافة اسم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إلى هذا النص لا يزيد من وضوحه ولا من تعريف النبي المقصود، إذ هو واضح جلي وبيّن ولا مناص من الإقرار بذلك!
ألا فما كان ينبغي استغراب أن تأتي الرسالة الخاتمة على المصطفى ابناً لابراهيم عليه السلام من غير يعقوب ( أي من غير بني إسرائيل) فلقد تضافرت الاشارات والدلائل على ذلك.. واستعرضنا عددا كبيرا منها خلال هذا الكتاب وبالذات في فصل الاستبدال.. ويكفي أن أذكر القارئ هنا بمقولة يحي عليه السلام لبني إسرائيل عليه السلام بألا يغتروا بأنهم أبناءُ ابراهيم، فإنّ لابراهيم عليه السلام أبناءً غيرهم (أي لحمل الوعد والدين بعد قطع بني إسرائيل كما تقطع الشجرة)، وأنّ الله تعالى قادرٌ أن يُخرج أبناءً لابراهيم من تلك الصخور: " وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْراهِيمُ أَباً. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هَذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَداً لِإِبْراهِيمَ. وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ" متى 3: 9- 10.. وأُذكِّر القارئ بتصريح المسيح عليه السلام بأن المسيا لن يكون من أبناء داود وأن مملكة الله ستكون من أمة غير يهودية.. فماذا ينتظر الناس إذا كان المصطفى (المسيا) نبياً من غير بني إسرائيل إلا أن يظهر من بين أبناء ابراهيم الوثنيين، فكل أبناء ابراهيم ع من غير بني إسرائيل قد ارتكسوا منذ أمد بعيد في الوثنية..
إن البشارة التي تحملها هذه الرؤيا متفقة تماماً بل حرفياً من حيث تحديد موعد ظهور المصطفى ودولته مع بشارات دانيال في الاصحاحات الثاني والسابع والتاسع ومع بشارة الأسابيع لإينوخ ومع وصية لاوي.. ومتفقة مع بشارات أخرى كثيرة في توقع نقل الرسالة عن بني إسرائيل تم وسيتم نقاشها في هذا الكتاب..
تساؤلات بالرؤيا تنتظر التوضيح:
1. إنه عيسى لا محمدا عليهما الصلاة والسلام مَن عبده أتباعه من الناس، والبشارة هاهنا نصت على الرجل المنتظر سيعبده الناس..
في الواقع أنّه إذا كان هنالك إدخال مسيحي في هذه الرؤيا وهو أمر متوقع ومعتاد فيما كتبه اليهود وتوارثه المسيحيون من بعدهم فهو في تصوير المصطفى المنتظر بأنه سيُعبد.. إن هذه الفكرة عن خاتم الأنبياء كافية لصرف الأذهان مباشرة الى المسيح عيسى عليه السلام، وذلك بالتأكيد هو هدف أي إدخال مسيحي، وهو ما انصرف إليه ذهني عند قراءتي الأولى لهذه الرؤيا .. لكننا جميعا نُقر بأن دعوة الأنبياء قامت على الدعوة لعبادة الله وحده، فتلك كانت هي الوصية الأولى لهم جميعا بما فيهم عيسى عليه السلام، وأنّه لا يجتمع التبشير بمن ينتسب اتباعه إلى الله ويكون في مجيئه راحة ورحمة بالأمم التي تهتدي من خلاله إلى الله تعالى، ثم يكون معبوداً لها من دون الله.. وقد أجاز الباحثون الغربيون لأنفسهم - كما ناقشنا أعلاه- وضع النظريات المختلفة بما فيها افتراض الادخال المسيحي من قبل الكتبة ليرفضوا ما لا يصح أن يُرفض (قضية أن المصطفى القادم سيكون من أبناء ابراهيم ومن غير اليهود في نفس الوقت) فكيف لا نفترض إدخالا مسيحياً لنرد به ما يستحيل قبوله من ان الوحي السماوي يبشر بمن يُعبد من دون الله تعالى ويتهلل له.. إنّ مثل هذا ليس فقط متوقعاً ومتفقاً مع الروح المسيحية في تأليه عيسى عليه السلام بل هو ما يميز كل الإدخالات المسيحية على الرسائل اليهودية القديمة.. إدخال ما يشير الى تأليه المصطفى (المسيا).. وقد نجح مثل هذا الإدخال في صرف كل الإذهان الى أن المقصود بهذه الرؤيا هو عيسى عليه السلام..
على أي حال فإن ترجمة الكسندر (7) لهذه الرؤيا قد نصت أن المقصود بالعبادة هو الاتباع والأمل (بالنجاة من خلال اتباع المصطفى). وأنقل هنا هذه الفقرة من الترجمة المذكورة للعبارة 29-11:
“29-11: And that you saw going out from the left side of the picture and those worshipping him, this (means that)many of the heathen will hope in him” " 29-11: وذلك الذي رأيته خارجا من الجانب الأيسر من الصورة وهؤلاء الذين سيعبدونه، فهذا يعني أن كثيرا من هؤلاء الوثنيين سيضعون أملهم فيه"
ملاحظة: إن الغالب هو أن هذه الرسائل والرؤى أصلاً لا تصح عمّن نسبت اليهم كإبراهيم عليه السلام هاهنا.. واستشهادنا بها هو لأنّ وجود مثل هذه البشارات الناصعة بالإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم رغم حرص الأجيال المتعاقبة من اليهود ثم النصارى على ازالتها، يدل على اعتماد من كتبها على بعض اصول صحيحة من الوحي وتعاليم الأنبياء.. وتظل البشارات بها عن الإسلام ورسوله محمد الله عليه وسلم حجة على اليهود والنصارى وعلى غيرهم.. 2. متى تأتي ساعة الرحمة المذكورة بهذه الرؤيا؟ هناك إقرار من كثير ممن كتبوا عن هذه الرؤيا حول صعوبة فهمها وأنّ خلطاً ما قد وقع في عباراتها.. وعبارة ساعة الرحمة mercy جاءت في الفصل 28 (فقرة 53) بعد ذكر أن عذاب الله سيدخل (أو ينزل) على العصاة من أبناء ابراهيم من أربعة مداخل (أو مصبات)، وأنه بعد ساعة (تم التصريح بأن الساعة هي مائة عام) من المصب الرابع ستحل بالأمم نكبة، ثم جاءت عبارة ساعة الرحمة: " ولكن أيضاً سيكون هنالك ساعة رحمة ومجد لهذه الأمم" “ but also for one hour there shall be mercy and honour among those nations” مما يعني أن ساعة الرحمة ستأتي لاحقة لفترة الممالك الأربع وأنها ستشمل تلك الأمم التي كانت وثنية وهو ما تم تفصيله وتحديد موعد هذه الرحمة التي سميت بالفصل التالي راحة Relief يلاحظ هنا اختلاف المترجمين للفظ المستخدم، فمن الألفاظ المستخدمة:
الإراحة Relief، الحرية Liberation، النجاة Deliverance.. والتخفيف.. إلا أن الذين اختاروا أن الحديث هنا قد تم فيه الخلط بين صفات المصطفى وعدوه ترجموا اللفظ الى التراخي Laxity لتفسر على أن الرجل المنتظر بعد 1200 عام من هدم الهيكل سيكون عدوا للمسيح ويشجع على التراخي في الإلتزام بالشريعة.. وهذا غريب فما استهان بالشريعة وألغاها إلا بولس الذي يعظمه أكثرهم، وجاء المصطفى حقا بالتخفيف ورفع الإصر الذي أثقلهم..
3. جاء النص في الراحة الآتية من خلال الرجل المنتظر أنه ستعطيها الأممُ لأبناء ابراهيم! فكيف نزعم أنها رحمة وراحة لكل الأمم؟
الواقع أن كلمة تعطي يبدو أنها من إضافات المترجمون ولذا فقد وضعوها بين قوسين في تراجمهم، ويبدو كذلك أن المقصود بأبناء ابراهيم بالدرجة الأولى هم اليهود الذين وضعوا أساساً في الجانب الأيمن من الصورة الخيالية التي مثلت للأمم في هذه الرؤيا، وعلى هذا جاء النبي المنتظر من الجانب الأيسر مع أنه من أبناء ابراهيم، لأن اولئك الأبناء كانوا من الوثنيين، وقد بينت كيف جاء الإسلام (من بين الأمم بالجانب الأيسر) بأحكام التخفيف والرحمة لبني إسرائيل ولكل أبناء ابراهيم لو اتبعوه، وفي ذلك توضيح بيّن للعبارة أعلاه.. ولعل من المناسب الاشارة هنا إلى رأي بوكس (6) الذي رأى أن الراحة والرحمة هنا ستتمثل في تخفيف التشديد “hardening” الذي وقع على بني إسرائيل نتيجة عصيانهم، وما كان ذلك ليتم الا من خلال وحي سماوي لاحق، وهو ماتم من خلال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فقد ذكرتُ أعلاه بأنّ التصريح بساعة الرحمة (والساعة بمائة عام) قد جاء في هذه البشارة شاملاً لكل الأمم، وهو ماتم فعلا الإعلان به عن خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله رحمة للعالمين: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" الأنبياء 107. 4. من هو أزازل؟ وهل فعل جاء يُقبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ثم قام يتبعه؟ هناك الكثير من الخلط وعدم الوضوح في تفسير مدلول هذه الكلمة.. فقد تطلق عند الوثنيين على كبش الفداء الذي يُحمّل المرض بتقطير قطرات من دم المريض عليه ثم يرمى به الى الصحراء.. ولكنها في الأغلب تعني الأشرار من الجن والشياطين، وبالذات شياطين وجن الصحارئ والبراري.. وفي هذه الرسالة في مواضع سابقة يبدو أن هذا اللفظ جاء للدلالة على ابليس نفسه.. فأما الظن بأن ابليس قد يؤمن قبل القيامة فهو مالم يقله مؤمن.. ومن المنطق إسقاط هذا الاحتمال.. ومن جانب آخر فلا أعرف في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ولا غيره من الأنبياء مثل هذا الحدث.. وباستثناء سليمان عليه السلام فإنه لم يُذكر اتباع الجنّ وإيمانهم بنبي إلا برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في ذلك سورة كاملة بالقرآن الكريم اضافة الى موضعين آخرين، فهو أمر ثابت الحديث عنه من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغض النظر عن إيمان القارئ به، وهؤلاء الجن هم من جن البراري والصحارئ، وكثير من هم لم يكونوا أصلا من الصالحين.. ولعل في حدث إيمان الجن هذا ما يشمل مثل هذا المسمّى أزازل هنا.. يذكر هنا كذلك أنه روي في الصحاح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنّ لكل إنسان قرين من الشيطان يسعى لإضلاله إلا قرين الرسول صلى الله عليه وسلم فقد آمن به واتبعه.. مما قد يُقدم تفسيرا بديلا لشخصية أزازل هذه لو كانت فعلاً مما جاء بالصحف الأولى ولم تكن من ادخالات الكتبة.. م مـــ ماجده ـلاك الروح