اعلم أنه يُستحبّ إحياء ليلتي العيدين بذكر اللّه تعالى والصلاة وغيرهما من الطاعات للحديث الوارد في ذلك:
"مَنْ أَحْيا لَيْلَتي العِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ القُلُوبُ" ورُوي
"مَنْ قَامَ لَيْلَتي العِيدَيْنِ لِلَّهِ مُحْتَسِباً لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ حينَ تَمُوتُ القُلُوبُ" هكذا جاء في رواية الشافعي وابن ماجه [url=https://moslemalmasry.own0.com/javascript:opencomment('(ابن ماجه (1782) ، وقال في الزوائد: إسناده ضعيف لتدليس بقية. وقال الحافظ: هذا حديث غريب مضطرب الإِسناد. انظر الفتوحات 4/235) ')](6)[/url] ، وهو حديث ضعيف رويناه من رواية أبي أمامة مرفوعاً وموقوفاً، وكلاهما ضعيف، لكن أحاديث الفضائل يُتسامح فيها كما قدّمناه في أوّل الكتاب.
واختلف العلماءُ في القدر الذي يَحصل به الإِحياءُ، فالأظهرُ أنه لا يحصل إلا بمعظم الليل، وقيل: يَحصل بساعة.
فصل: ويستحبّ التكبير ليلتي العيدين، ويُستحبّ في عيد الفطر من غروب الشمس إلى أن يُحرم الإِمام بصلاة العيد، ويُستحبّ ذلك خلفَ الصلواتِ وغيرها من الأحوال. ويُكثر منه عند ازدحام الناس، ويُكَبِّر ماشياً وجالساً ومضطجعاً، وفي طريقه، وفي المسجد، وعلى فراشه، وأما عيدُ الأضحى فيُكَبِّر فيه من بعد صلاة الصبح من يوم عَرَفة إلى أن يصليَ العصر من آخر أيام التشريق، وَيُكَبِّر خلفَ هذه العَصْرِ ثم يقطع، هذا هو الأصحّ الذي عليه العمل، وفيه خلاف مشهور في مذهبنا ولغيرنا، ولكن الصحيح ما ذكرناه، وقد جاء فيه أحاديث رويناها في سنن البيهقي، وقد أوضحتُ ذلك كلَّه من حيث الحديث ونقل المذهب في شرح المهذّب وذكرتُ جميعَ الفروع المتعلقة به، وأنا أُشيرُ هنا إلى مقاصده مختصرة.
قال أصحابنا: لفظ التكبير أن يقول: "اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ" هكذا ثلاثاً متواليات، ويكرّر هذا على حسب إرادته. قال الشافعي والأصحاب: فإن زادَ فقال: "اللّه أكْبَرُ كَبيراً، والحَمْدُ لِلَّهِ كَثيراً، وَسُبْحانَ اللَّهِ بُكْرَةً وأصِيلاً، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلا نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدينَ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُون، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّه واللَّهُ أكْبَرُ" كانَ حَسَناً.
وقال جماعة من أصحابنا: لا بأسَ أن يقول ما اعتاده الناسُ، وهو "اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ ولِلَّهِ الحَمْدُ".
فصل: اعلم أن التكبير مشروعٌ بعد كلّ صلاة تُصلَّى في أيام التكبير، سواء كانت فريضة أو نافلة أو صلاة جنازة، وسواءٌ كانت الفريضة مؤدّاة أو مقضية أو منذروة، وفي بعض هذا خلاف ليس هذا موضع بسطه، ولكن الصحيح ما ذكرته وعليه الفتوى وبه العمل، ولو كبَّرَ الإِمامُ على خلاف اعتقاد المأموم بأن كان يَرى الإِمامُ التكبيرَ يوم عرفة أو أيام التشريق، والمأموم لا يَراه، أو عكسه، فهل يتابعه، أم يعمل باعتقاد نفسه؟ فيه وجهان لأصحابنا: الأصحُّ يَعمل باعتقاد نفسه، لأن القدوة انقطعتْ بالسلام من الصلاة بخلاف ما إذا كبَّر في صلاة العيد زيادة على ما يراه المأموم، فإنه يُتابعه من أجل القُدوة.
فصل: والسُّنّة أن يُكبر في صلاة العيد قبل القراءة تكبيراتٍ زوائد، فيُكَبِّر في الركعة الأولى سبعَ تكبيرات سوى الافتتاح، وفي الثانية خمسَ تكبيرات سوى تكبيرة الرفع من السجود، ويكونُ التكبيرُ في الأولى بعد دعاء الاستفتاح وقبل التعوّذ، وفي الثانية قبل التعوّذ. ويستحبّ أن يقولَ بين كل تكبيرتين: سبحان اللَّه والحمد للّه ولا إِله إِلاَّ اللّه واللّه أكبر، هكذا قاله جمهور أصحابنا. وقال بعض أصحابنا: يقول: "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ".
وقال أبو نصر بن الصباغ وغيره من أصحابنا: إن قال ما اعتاده الناس فحَسَن، وهو "اللَّهُ أكْبَرُ كَبيراً، والحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيراً، وَسُبْحانَ اللَّهِ بُكْرَةً وأصِيلاً" وكل هذا على التوسعة، ولا حَجْرَ في شيء منه، ولو ترك جميع هذا الذكر وترك التكبيرات السبع والخمس، صحَّتْ صلاته ولا يسجد للسهو، ولكن فاتته الفضيلة؛ ولو نسي التكبيرات حتى افتتح القراءة لم يرجع إلى التكبيرات على القول الصحيح. وللشافعي قول ضعيف أنه يرجع إليها. وأما الخطبتان في صلاة العيد فيُستحبّ أن يُكَبِّرَ في افتتاح الأولى تسعاً، وفي الثانية سبعاً. وأما القراءة في صلاة العيد فقد تقدَّم بيان ما يُستحبّ أن يقرأ فيها في باب صفة أذكار الصلاة، وهو أنه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة "ق"، وفي الثانية
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} وإن شاء في الأولى
{سَبِّحِ اسْم رَبِّكَ الأعْلَى} وفي الثانية
{هَل أتاكَ حَدِيثُ الغاشِيَة.