صفية بنت حيي رضي الله عنها
صفيـة بنت حُيَيِّ بن أخطب بن سعيد ، من ذرية نبي الله هارون عليه السلام من سبط اللاوي بن يعقوب نبي الله إسرائيل بن اسحاق بن إبراهيم عليه السـلام ، ولِدَت -رضي اللـه عنها- بعد البعثة بثلاثة أعوام ، وكانت شريفـة عاقلة ، ذات حسبٍ وجمالٍ ، ودين وتقوى ، وذات حِلْم ووقار .
زواجه صلى الله عليه وسلم من صفية :
لمّا انتهت السنة السادسة للهجرة ، وأقبل هلال المحرم من أول السنة السابعة تهيأ الرسول صلى الله عليه وسلم لمعركة حاسمة تقطع دابر المكر اليهودي من أرض الحجاز ، فخرج -صلى الله عليه وسلم- مع ألف وأربعمائة مقاتل في النصف الثاني من المحرّم إلى خيبر ( معقل اليهود ) وسار يفتح حصون خيبر ومعاقلها واحداً إثر واحد ، حتى أتى القموص ( حصن بني أبي الحُقين )
ففتحه .وجيء بسبايا الحصن ومنهنّ صفية ومعها ابنة عمّ لها ، جاء بهما بلال رضي الله عنه ، فمرّ بهما على قتلى يهود الحصن ، فلما رأتهم المرأة التي مع صفية صكّت وجْهها وصاحت ، وحثت التراب على وجهها ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( أغربوا هذه الشيطانية عني )وصفية ثابتة الجأش رزينة ، فأمر بصفية فجُعِلت خلفه ، وغطى عليها ثوبه ، فعرف الناس أنه اصطفاها لنفسه ، وقال لبلال( أنُزِعَت الرحمة من قلبك حين تَمُرُّ بالمرأتين على قتلاهما)
رؤيا البشارة
وقبل ذلك كانت صفيـة قد رأت أن الشمس نزلت حتى وقعت على صدرها ، فذكرت ذلك لأمهـا فلطمت وجهها وقالـت ( إنّك لتمدّين عُنُقك إلى أن تكوني عند مَلِك العرب ) فلم يزل الأثر في وجهها حتى أُتيَ بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فلمّا سألها عنه أخبرته ، فكبرت في نفسه حين سمع منها هذه البشارة التي زفُها الله تعالى إليها في هذه الرؤيا الصالحة ، وواسى آلامها وخفّف من مُصابَها ، وأعلمها بأن الله تعالى قد حقق رأياها
وقد قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم- هلْ لك فيّ ؟) يرغّبها بالزواج منه ، فأجابت : يا رسول الله ، قد كنتُ أتمنى ذلك في الشرك ، فكيف إذا أمكنني الله منه في الإسلام ) فأعتقها - صلى الله عليه وسلم- وتزوجها ، وكان عتقُها صداقُها0
ولما أعرس الرسول صلى الله عليه وسلم بصفية ، بخيبر أو ببعض الطريق ، وكانت التي جمّلتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومشّطتها وأصلحت من أمرها ، أم سليم بنت مِلحان أم أنس بن مالك ، فبات بها الرسول صلى الله عليه وسلم في قبة له
ولمّا قدمت صفية -رضي الله عنها- من خيبر ، أنزلت في بيت الحارث بن نعمان فسمع نساء الأنصار ، فجئن ينظرن إلى جمالها ، وجاءت السيدة عائشة متنقبة ، فلما خرجت ، خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- على أثرها فقال: كيف رأيت يا عائشة ؟) قالت : رأيتُ يهودية ) فقال صلى الله عليه وسلم( لا تقولي ذلك فإنها أسلمت وحسُنَ إسلامها )
أن حلّت صفية رضي الله عنها- بين أمهات المؤمنين شريكة لهن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أثارت حفيظة بعضهن ، وقد لاحظت هي ذلك ، فقدمت لهنّ بعض الحلي من الذهب كرمز لمودتها لهن ، كما قدمت أيضاُ لفاطمة رضي الله عنها ومن بعض المواقف التي حصلت بين الضرائر ، بلغ صفية أن حفصة قالت لها : بنت يهودي فبكت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال ( ما شأنك ؟)قالت ( قالت لي حفصة إني بنت يهودي ) فقال لها النبي :إنك لبنتُ نبيّ ، وإنّ عمّك لنبيّ ، وإنّك لتحت نبيّ فبِمَ تفخرُ عليكِ ) ثم قال : اتق الله يا حفصة ) .
وقد حج الرسول صلى الله عليه وسلم بنسائه ، فبرك بصفية جملها ، فبكت وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم لمّا أخبروه ، فجعل يمسح دموعها بيده ، وهي تبكي وهو ينهاها ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، فلمّا كان عند الرواح ، قال لزينب: أفقري أختك جملاً ) أي أعيريها إياه للركوب ، وكانت أكثرهن ظهراً ، فقالت : أنا أفقِرُ يهوديتك ؟!) فغضب صلى الله عليه وسلم فلم يكلّمها حتى رجع إلى المدينة ، ومحرّم وصفر فلم يأتها ، ولم يقسم لها ويئست منه ، حتى جاء ربيع الأول ، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في حُسْنِ معاشرته لـ(صفية) يبدلها الغم سروراً ، والغربة أنساً .
رضي الله عنها صادقة في قولها ، وقد شهد لها بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعندما اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم - في مرضـه الذي توفـي فيه . قالت صفيـة( إني واللـه لوددت أن الذي بك بـي ) فغَمَـزْنَ أزواجه ببصرهـن فقال الرسـول صلى اللـه عليه وسلم : مضمِضْنَ ) أي طهّرن أفواهكنّ من الغيبة قُلْن( من أي شيء ؟) فقال ( من تغامزكنّ بها ، والله إنها لصادقة )
كما أن صفية رضي الله عنها كانت حليمة تعفو عند المقدرة ، كما اتصفت رضي الله عنها بعمق الفهم ودقة النظر .
توفيت رضي الله عنها حوالي سنة خمسين للهجرة ، والأمر مستتب لمعاوية بن أبي سفيان ، ودفنت في البقيع مع أمهات المؤمنين