حينما استأذن الحبيب صلى الله عليه وسلم ربه -عز وجل- أن يزور أمَّه في قبرها، وقد حنّ فؤاده، واضطرمت جذوة شوقه للقائها، وهو الذي لم يدرك من لحظات العيش معها سوى سنوات ست، كان فيها غضاً طريّ العود، مشبوباً فؤاد أمه بحبه وحنانه عليه ـ فداه روحي ـ، يقف عليه الصلاة والسلام وكانت الجحافل تمضي معه، سائرة على ركابه، تسير على نهجه وهداه، وفي غمرة ذلك العبور، يرفُّ قلبه ـ وهو العطوف بأمته ـ لقربه من سكن أمه الأخروي، فيطلب الإذن بزيارتها، ورؤية ما يسعف به الخاطر من عبق الذكرى تجاه الأم الحانية، وعلى الرغم من تلك اللحظات الضئيلة، والتي عمرت قلبه عليه الصلاة والسلام بحب أمه ورغبته بوصلها، ليعز إلى أمر عظيم، وشأن كبير مبين، تلتقي فيه الأشخاص على سفح الحياة، ويطفو التواصل بيننا والغائبين عن دهماء هذه الدنيا.
كانت منه لفتة صلى الله عليه وسلم لشد عُرى بدنين امتزجا لبضعة أشهر في بدن واحد، وتلقّى الضيف الصغير في ثنايا الرحم ودّ مضيفه وترحابه، ومحبته وحنانه، فكانت العُرى حيالها وثيقة الارتباط، يعجز عن تصويرها حاذق يستبطن درر المعاني وبديعها، وحينما تُستجدى المشاعر لفراق حبيب طال معه أمد اللقاء والمكوث، وحينما تشتعل حويصلات القلب تنشد الحنين لمن عانق الجسد جسده، ومسّت الحنايا جذوته.
لنا في الوشائج سبق يُرصد في ثنايا الوصايا الإلهية والخطب النبوية، ويتجلّى في تكريسها من جماد المرقوم إلى حياة الواقع الملموس، لاسيما أن المآل والعاقبة تحيط كل فعل بما يلائمه ويوافقه، إنْ براً فرضاً وكرامة، وإنْ عقوقاً فسخطاً وملامة.
إننا في سبيل إحكام هذه العُرى وسبكها في قالبها المصون لها، نلمس ـ وللأسف ـ وهناً يطرأ وغيّاً يستطير من البعض في واقع عيشهم مع عراهم المكنون، فلا مبالاة تطفح، بل زهو وتغطرس ينضح، وضمور في الأسلوب والسلوك يفضح وقائع مريرة من فتور الأدب مع الوالدين، لا يلزم منه أن يكون قصد التقصير، بله والحال ما أسلفت أن يعمد المرء في قوله وعمله مفرطاً ينشد إسعاد الموقف وإضحاك الحضور، وهو لا يدرك ـ وقد غفل ـ أنه يتساهل في جانب عظيم، هو طود راسخ في حياة الإنسان، بل هما مكمن النفس لعيشه، ومدار الشريانين لمصل الحياة إلى قلبه، بل قد اتسعت بهما الحدقة، وعيي القلب وهو يشدو ويطرب بحبهما، وأبت الجوارح إلاّ أن تفرز ما يشجو به العقل، فلا يسوغ أن يُقابَل مهم بتهوين، وأن يُجابَه كبير بضحالة استهزاء يستصغر فيها، فبعضهم ممن أرخى للقصور أهدابه لتتلظى به شعث حياته، ولم يأبه لتعثره من إسبال الفجاجة.
يحوط أمر الوالدين مصفوفات من الدرر التي تملأ قمم الجبال الشامخة، وتزحم البحار بمدها في أمواجها الهادرة، وعلى الرغم من ذلك الود والاعتناء، والصخب بهذا الحديث في فلك الأيام، لا يزال بعضنا معرضاً بعقله، نائياً بقلبه وروحه عن تقدير وإجلال هذين الكريمين (الأب والأم)، ولا يزال يصد عن الدخول في رحمة رب العالمين، ويأبى إلاّ أن يغمر فيمن أمّن عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالثبور والتعاسة، وأن يرغم أنفه في وحل الذل والمهانة، ولسان الحال يرمي بآهات تتلوها الحسرات لمن فرّط بأيام وساعات أبى فيها أن يقضيها في كنف والديه.
أحمد العبد القادر موقع الإسلام اليوم مـــ ماجده ـلآك الروح
احمد سمير المهدى
عدد الرسائل : 1554
موضوع: رد: عُرًى مترهّلة الثلاثاء 11 نوفمبر - 21:34:43
جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك
ALZAHRAALMOSLMA
عدد الرسائل : 1368
موضوع: رد: عُرًى مترهّلة الجمعة 14 نوفمبر - 14:18:33