مقدمة تفسير سورة النبأ بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النبأ وهي - مكية
يقول تعالى منكرا على المشركين في تساؤلهم عن يوم القيامة إنكارا لوقوعها
« عم يتساءلون عن النبإ العظيم » أي عن أي شيء يتساءلون من أمر القيامة وهو النبأالعظيم يعني الخبر الهائل المفظع الباهر قال قتادة وابن زيد النبأ العظيم البعث بعد الموت وقال مجاهد هو القرآن والأظهر الأول لقوله
« الذي هم فيه مختلفون » يعني الناس فيه على قولين مؤمن به وكافر ثم قال تعالى متوعدا لمنكري القيامة
« كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون » وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد ثم شرع تبارك وتعالى يبين قدرته العظيم على خلق الأشياء الغريبة والأمور العجيبة الدالة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد وغيره فقال
« ألم نجعل الأرض مهادا » أي ممهدة للخلائق ذلولا لهم قارة ساكنة ثابتة
« والجبال أوتادا » أي جعلها أوتادا أرساها بها وثبتها وقررها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها ثم قال تعالى
« وخلقناكم أزواجا » يعني ذكرا وأنثى يتمتع كا منهما بالآخر ويحصل التناسل بذلك كقوله « ومن أياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة » وقوله تعالى
« وجعلنا نومكم سباتا » أي قطعا للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد والسعي في المعايش في عرض النهار وقد تقدم مثل هذه الأية في سورة الفرقان
« وجعلنا الليل لباسا » أي يغشي الناس ظلامه وسواده كما قال « والليل إذا يغشاها » وقال الشاعر-فلما لبسن الليل أو حين نصبت له من خذا آذانها وهو جانح-وقال قتادة في قوله تعالى « وجعلنا الليل لباسا » أي سكنا وقوله تعالى
« وجعلنا النهار معاشا » أي جعلناه مشرقا نيرا مضيئا ليتمكن الناس من التصرف فيه والذهاب والمجيء للمعاش والتكسب والتجارات وغير ذلك وقوله تعالى
« وبنينا فوقكم سبعا شدادا » يعني السماوات السبع في اتساعها وارتفاعها وإحكامها وإتقانها وتزيينها بالكواكب الثوابت والسيارات ولهذا قال تعالى
« وجعلنا سراجا وهاجا » يعني الشمس المنيرة على جميع العالم التي يتوهج ضوؤها لأهل الأرض كلهم وقوله تعالى
« وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا » قال العوفي عن ابن عباس المعصرات الريح وقال ابن أبي حاتم ثنا أبو سعيد ثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس « وأنزلنا من المعصرات » قال الرياح وكذا قال عكرمة ومجاهد وقتادة ومقاتل والكلبي وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن أنها الرياح ومعنى هذا القول أنها تستدر المطر من السحاب وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من المعصرات أي من السحاب وكذا قال عكرمة أيضا وهو أبو العالية والضحاك والحسن والربيع بن أنس والثوري واختاره ابن جرير وقال الفراء هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولم تمطر بعد كما يقال مرأة معصر إذا دنا حيضها ولم تحض وعن الحسن وقتادة من المعصرات يعني السماوات وهذا قول غريب والأظهر أن المراد بالمعصرات السحاب كما قال تعالى « الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله » أي من بينه وقوله جل وعلا « ماء ثجاجا » قال مجاهد وقتادة والربيع بن أنس ثجاجا منصبا وقال الثوري متتابعا وقال ابن زيد كثيرا قال ابن جرير ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة والثج وإنما الثج الصب المتتابع ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الحج العج والثج يعني صب دماء البدن هكذا قال « قلت » وفي حديث المستحاضة حين قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنعت لك الكرسف يعني أن تحتشي بالقطن فقالت يا رسول الله هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجا وهذا فيه دلالة على استعمال الثج في الصب المتتابع الكثير والله أعلم وقوله تعالى
« لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا » أي لنخرج بهذا الماء الكثير الطيب النافع المبارك « حبا » يدخر للأناسي والأنعام « ونباتا » أي خضرا يؤكل رطبا « وجنات » أي بساتين وحدائق من ثمرات متنوعة وألوان مختلفة وطعوم وروائح متفاوتة وإن كان ذلك في بقعة واحدة من الأرض مجتمعا ولهذا قال
« وجنات ألفافا » قال ابن عباس وغيره ألفافا مجتمعة وهذه كقوله تعالى « وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون »
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
م
مـــ ماجده ـلآك الروح